الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 6 مارس 2015

(الطعن 16137 لسنة 67 ق جلسة 13 / 4 / 1998 مكتب فني 49 ق 73 ص 563)

 برئاسة نجاح سليمان نصار نائب رئيس المحكمة وعضوية حسن حمزة وحامد عبد الله وفتحى حجاب نواب رئيس المحكمة وشبل حسن .
-----------------------
1 - لما كان الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما مؤداه أن شركة ... للمرافق والتركيبات أعلنت عن مناقصة عامة لتوريد 14 سيارة نقل ثقيل ذات مواصفات خاصة ، وانتهت لجنة البت فى تلك الشركة على ترسية العطاء على شركة ...... التى تعمل فى مجال الاستيراد والتصدير والتى كانت تقدمت بعطائها فى تلك المناقصة ، وخلال شهر يوليو سنة 1996 عين الطاعن رئيسا لمجلس إدارة الشركة المعلنة ، فتوجه اليه المدير التنفيذى لشركة .... طالباً سرعة إصدار أمر التوريد الذى تأخر إصداره بسبب تغيير رئيس مجلس إدارة الشركة . فإصدر مجلس الإدارة قراره بالموافقة على إصدار أمر التوريد للشركة الموردة التى تسلمته بالفعل . وفى نهاية شهر سبتمبر سنة 1996 اتصل المدير التنفيذى للشركة الموردة بالطاعن للاستفسار منه عن موقف الدفعة المقدمة حتى تبدأ شركته فى توريد المعدات فى مواعيدها ، فطلب منه الطاعن الحضور إلى مكتبه حيث طلب لنفسه 1% من قيمة العملية وأن تقوم الشركة الموردة باعداد رحلة لنجلة لمدة عشرة أيام إلى ايطاليا على حسابها ، وأنه فى مقابل ذلك سيقوم بانهاء موضوع الدفعة المقدمة فأخبر المدير التنفيذى لتلك الشركة صاحب الشركة بما طلبه الطاعن واصطحبه إلى الطاعن الذى أعاد أمامهما ما سبق له طلبه ، ونظراً لأن الشركة الموردة أوفت بكافة التزاماتها قبل الشركة التى يرأسها الطاعن فقد أبلغ مديرها التنفيذى الرقابة الإدارية بالواقعة ، وبعد التأكد من صحة البلاغ طلب عضو الرقابة الإدارية من المبلغ مسايرة الطاعن ، وعرض الأمر على النيابة العامة المختصة لضبط الواقعة فأذنت بتاريخ 2/11/1996 لأى من مأمورى الضبطية القضائية المختصين قانوناً بهيئة الرقابة الإدارية بتسجيل الأحاديث واللقاءات والاتصالات الهاتفية التى تتم بين المبلغ والطاعن ، وخلال المدة المحددة للإذن اتصل المبلغ بالطاعن واستفسر منه عن موقف الشيك الخاص بالدفعة المقدمة فأبلغه الطاعن بأن الشيك سيكون جاهزاً للاستلام ، وفى اتصال هاتفى أخر بينهما طلب الطاعن من المبلغ مقابلته يوم 26/11/1996 بمكتبه ، وخلال لقائهما استقر الأمر بينهما على أن يكون مبلغ الرشوة 25 ألف جنيه سيتم دفعها بمكتب الطاعن بتاريخ 28/11/1996 صباحاً وتم تسجيل هذا اللقاء ، وتم استصدار إذن من نيابة أمن الدولة العليا بضبط الطاعن ، وفى الموعد المحدد حضر المبلغ إلى مكتب الطاعن وسلمه مبلغ الرشوة المطلوب وتم ضبطه بمعرفة أعضاء الرقابة الإدارية والعثور على المبلغ بدرج مكتبه ، ودلل الحكم على هذه الواقعة بما ينتجها من وجوه الأدلة واستظهر أن الشركة التى يرأس مجلس إدارتها الطاعن هى إحدى الشركات التابعة للشركة القابضة للتشييد والتعمير وأنها أحدى شركات قطاع الأعمال العام وأن أموالها تعتبر فى حكم الأموال العامة ، كما يعد القائمون على إدارتها والعاملون فيها فى حكم الموظفين العموميين ، وأن من سلطة الطاعن الموافقة على صرف مبلغ الدفعة المقدمة ـ مقابل الرشوة ـ بالإضافة إلى المراحل التالية من صرف باقى المستحقات واستلام المعدات ومعاينتها وتطابقها مع المواصفات المتعاقد عليها بين الشركة التى يرأسها مجلس إدارتها وبين الشركة الموردة ، كما خلص الحكم إلى توافر القصد الجنائى لدى الطاعن فيما أورده من أنه طلب مبلغ الرشوة وسفر نجله إلى ايطاليا مقابل استعجال صرف مبلغ الدفعة الأولى المقدمة وتسهيل استلام المعدات والالات محل التعاقد ، وهو ما يتحقق معنى الاتجار بالوظيفة ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن بدعوى عدم استظهار الحكم لأركان الجريمة التى دانه بها يكون بعيداً عن محجة الصواب.

2 - لما كان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفاع الطاعن بأنه ليس موظفاً عاماً ورد عليه بقوله وحيث انه بشأن ما أثاره الدفاع من أن المتهم لايعتبر موظفاً عاماً فى حكم جريمة الرشوة فإن هذا الدفاع ينطوى على فهم خاطىء لأحكام القانون ، وذلك أن الثابت أن المتهم يعمل رئيساً لمجلس إدارة شركة ..... احدى شركات الشركة القابضة للتشيد والتعمير وبالتالى فهى إحدى شركات القطاع العام التى تعتبر أموالها أمولاً عامة ويعتبر موظفيها عموميين طبقاً لنص المادتين 111/6 ،119/2 من قانون العقوبات فى شأن جرائم الرشوة والاختلاس والاستيلاء على المال العام ، وهذا الذى خلص إليه الحكم صحيح فى القانون ، فقد رأى المشرع اعتبار القائمين على إدارة الشركات الخاضعة لقانون قطاع الأعمال العام والعاملين فيها فى حكم الموظفين العموميين فى تطبيق الجرائم الواردة بالبابين الثالث والرابع من الكتاب الثانى من قانون العقوبات ـ ومن بينها الرشوة ـ حين نص فى المادة 52 من قانون قطاع الأعمال العام رقم 203 لسنة 1991 ـ والتى تخضع الشركة التى يرأس مجلس إدارتها الطاعن لأحكامه ـ على أنه تعتبر أموال الشركات الخاضعة لأحكام هذا القانون فى حكم الأموال العامة ، كما يعد القائمون على إدارتها والعاملون فيها فى حكم الموظفين العموميين ، وذلك فى تطبيق أحكام البابين الثالث والرابع من الكتاب الثانى من قانون العقوبات ، وهو ما يوفر فى حق الطاعن أنه فى حكم الموظفين العاملين فى مجال جريمة الرشوة ، ويتفق وحكم المادة 111 من قانون العقوبات من أن المادة 106 مكرراً (أ) من قانون العقوبات الخاصة بالعاملين بالشركات المساهمة ، هو الذى ينطبق على واقعة الدعوى وتعييبه الحكم فى اطراحه دفاعه فى هذا الصدد يكون على غير أساس.

3 - لما كان المطعون فيه عرض لما دفع به الطاعن من أن المادة 105 من قانون العقوبات هى المنطبقة على واقعة الدعوى ورد عليه بقوله وحيث إنه بشأن ما أثار ما أثاره الدفاع من أن المادة واجبة التطبيق هى المادة 105 عقوبات فإن مناط التفرقة بين انطباق المادة 103 عقوبات والمادة 105 عقوبات هى أنه إذا توافر اتفاق بين الموظف وصاحب المصلحة على أداء العمل مقابل انطبقت المادة 103 عقوبات ، يستوى فى ذلك أن يكون العطاء سابقاً أو معاصراً لأداء العمل أو لاحقاً عليه ما دام الجعل كان تنفيذاً لاتفاق سابق إذ أن نية الاتجار بالوظيفة فى هذه الحالة تكون قائمة منذ البداية ، أما إذا كان أداء العمل الامتناع عنه أو الاخلال بواجبات الوظيفة غير مسبوق باتفاق بين الراشى والمرتشى فإن العطاء اللاحق فى هذه الحالة تنطبق عليه المادة 105 عقوبات ، وإذ كان المبلغ الذى قام بدفع الرشوة نتيجة اتفاق سابق كما يبين من تسلسل كافة وقائع الدعوى ، فإن المتهم يكون قد تقاضى مبلغ الرشوة نتيجة الاتفاق السابق بين المبلغ والمتهم ، وتضحى المادة 103 من قانون العقوبات هى الواجبة التطبيق وفق الأساس الصحيح لأحكام القانون نتيجة الجريمة التى انزلق المتهم إلى ارتكابها ، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد أثبت ـ فى رده على دفاع الطاعن ـ أن جريمة الرشوة المنصوصو عليها فى المادة 103 من قانون العقوبات التى دان الطاعن بها ، هى التى تنطبق على وقاعة الدعوى ، وأطرح ما دفع به الطاعن من انطباق المادة 105 من قانون العقوبات على واقعة الدعوى ، بما يتفق وصحيح القانون ، فإن منعى الطاعن على الحكم فى هذا الصدد يكون غير سديد .

4 - من المقرر أنه يشترط فى الدفاع الجوهرى كيما تلتزم المحكمة بالالتفات إليه والرد عليه ، أن يكون مع جوهريته جدياً وأن يشهد له الواقع ويسانده ، أما إذا كان عارياً من دليله فلا تثريب على المحكمة إن هى التفتت عنه لما إرتأته من عدم جديته وعدم استناده إلى واقع بظاهره ، ولايعيب حكمها هلوه من الرد عليه وحسبه أن يورد الأدلة المنتجة التى صحت لدية على ما استخلصة من وقوع الجريمة المسندة إلى الطاعن .

5 - لما كان الثابت من الاطلاع على محاضر جلسة 26/3/1997 وأن المدافع عن الطاعن أثار أن الشركة التى يرأسها الطاعن قد بيعت واشترتها شركة أجنبية إلا أنه لم يقدم إلى المحكمة ما يؤيد دفاعة فإنها تكون فى حل من الالتفات إليه دون أن تتناول الرد عليه فى حكمها ولا يعتبر سكوتها عن ذلك اخلالاً بحق الطاعن فى الدفاع ولاقصوراً فى حكمها ومن ثم فإن نعى الطاعن فى هذا الخصوص يكون على غير أساس .

6 - لما كان الطاعن لم يطلب إلى المحكمة تحقيقاً فى شأن ما يدعية من بيع الشركة التى يرأسها الطاعن إلى شركة أجنبية ، فإنه لايقبل منه النعى على المحكمة قعودها عن إجراء لم يطلب منها .

7 - من المقرر أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار إذن التفتيش هو من المسائل الموضوعية التى يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت اشراف محكمة الموضوع ، ومتى اقتنعت المحكمة بجدية الاستدلالات التى بنى عليها إذن التفتيش وكفايتها لتسويغ إصداره وأقرت النيابة على تصرفها هذا الشأن ـ فإن لا معقب عليها فيما ارتأته لتعلقة بالموضوع لا بالقانون ، فإن ما ينعاه الطاعن فى هذا الصدد لا يكون سديداً .

8 - لما كان الحكم قد عرض للدفاع ببطلان إذن النيابة العامة بالتسجيل لإجرائه على هاتف لايخص الطاعن ورد عليه بقوله كما أنه بشأن ما أثاره الدفاع من أن الهاتف الصادر به الإذن غير خاص بالمتهم وبالتالى كان يتعين استئذان القاضى الجزئى طبقاً لنص المادة 206 من قانون الإجراءات الجنائية فإن الدفاع ببطلان الإذن فى هذا الشأن وعلى هذا الأساس أيضاً غير سديد ذلك أنه على فرض أن هذا الهاتف غير خاص بالمتهم وخاص بغيره فإن الدفاع فى هذا الشأن لايقبل من غير حائزه باعتبار أن الحائز هو صاحب الصفة فى ذلك وأن الصفة تسبق المصلحة فإن لم يثره الحائز أو المالك فليس لغيره أن يبديه ولو كان يستفيد منه لأن هذه الفائدة لاتلحقة إلا بالتبعية وحدها ، وإذ  كان ما خلص إليه الحكم فى إطراح ما دفع به الطاعن متفقاً وصحيح القانون ، فإن منعاه على الحكم فى هذا الصدد يكون غير مقبول .

9 - لما كان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفاع ببطلان التسجيلات واطرحه بقوله وحيث إنه بشأن ما أثاره الدفاع من بطلان التسجيلات لأنها لم تتم بمعرفة أحد أعضاء الرقابة الإدارية ، فإن الدفاع ببطلان التسجيلات فى غير محله ، ذلك أن الثابت من التسجيل الذى تم يوم 26/11/1996 والذى تضمن الحوار الذى دار  بين المبلغ والمتهم حول السبب فى طلب الرشوة وظروف سفر نجل المتهم إلى ايطاليا ، قد تم تحت سمع عضو الرقابة الإدارية الذى كان أسفل مقر الشركة بالسيارة المجهزة فنياً وسمع الحوار وأيضاً بالتسجيل الحاصل وقت الضبط يوم 28/11/1996 وأفرد لكل من التسجيلين سالفى الذكر يومى 26، 28 /11/1996 محضراً مستقلاً تم فيه إثبات ما دار من حديث وما دار بشأ، واقعة الضبط وأنه وإن كان يشترط لصحة إجراءات التسجيل أن يجريه مأمور الضبط القضائى أو من يعاونه وفقاً لإذن النيابة العامة ، إلا أن ذلك يمنعة من الاستعانة بأعوانه ولو كانوا من غير مأمورى الضبط القاضى طالما أن ذلك قد تم تحت اشراف من له الحق فى التسجيل قانوناً ، وعلى ذلك فإنه إذا ما صدر إذن النيابة العامة لمأمور الضبط القضائى بالتسجيل فإن للأخير أن يتخذ ما يراه كفيلاً بتحقيق الغرض منه دون أن يلتزم فى ذلك طريقة بعينها مادام لايخرج فى اجراءته عن نطاق القانون ، ومن ثم وبالنظر إلى إجراءات التسجيل الصوتى والتى لابد فيها من مسجل ومستمع وطبيعة هذه الدعوى ذاتها التى تسلتزم أن يكون المبلغ هو المسجل تحت اشراف المستمع الذى هو مأمور الضبط القضائى المأذون له بالتسجيل والذى له حق الاستعانة بمن يرى تنفيذاً للغرض منه طالما قد تم فى نطاق القانون أى تحت سمع عضو الرقابة الإدارية المأذون له ، ومن ثم يكون فى استعانة عضو الرقابة بالمبلغ فى تسجيل الحديث الذى دار بين المتهم  والبلغ حول طلب الرشوة والحصول عليها تحت سمع عضو الرقابة الإدارية صحيحاً ، وهو من الحكم رد سائغ وكاف لما هو مقرر من أن تسجيل المحادثات التى تجرى فى مكان خاص هو عمل من أعمال التحقيق ، وكانت المادة 200 من قانون الإجراءات الجنائية تجير لكل من أ'ضاء النيابة العامة فى حالة اجراء التحقيق بنفسه أن يكلف أياً من مأمور الضبط القضائى ببعض الأعمال التى من اختصاصاته ، فإن لازم ذلك أنه يتعين أن يقوم مأمور الضبط القضائى بنفسة بمباشرة الإجراء ذاك الذى ندب لتنفيذه أو أن يكون الاجراء قد تم على مسمع ومرأى منه ، وكان الحكم المطعون فيه فيما أورده فى مدوناته ـ على السياق المتقدم ـ قد تناهى إلى أن اجراءات تسجيل الحديث ذاك قد تم على مسمع من مأمور الضبط المعنى فإن منعى الطاعن فى هذا الصدد يكون فى غير محله ، ويكون الحكم إذ عول فى إدانة الطاعن على أقوال أعضاء الرقابة الإدارية المستندة إلى تلك التسجيلات بمنأى عن الفساد فى الاستدلال ويضحى ما يثيره الطاعن فى هذا الشأن غير سديد .

10 - لما كان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن المحكمة عولت فى ادانة الطاعن على التسجيل اللقائين اللذين تم بين المبلغ والطاعن يومى 26 ، 28 /11/1996 وأفصح الحكم عن اطمئنانه إليها ثم أردف بقوله انه على فرض بطلان التسجيلات فلا يوجد ما يمنع المحكمة من اعتبارها عنصراً من عناصر الاثبات فى الدعوى فى منزلة تظاهر الأدلة ويبين مما أورده الحكم أن المحكمة لم تبين قضاءها بصفة أصلية على تلك التسجيلات وإنما استندت إليها كقرينة تعزز بها أدلة الثبوت التى أوردتها ولايعد ذلك منها تناقضاً أو اضطراباً فى الحكم.

11 - من المقرر أن التناقض الذى يعيب الحكم ويبطله هو الذى يقع بين أسبابه بحيث ينفى بعضها ما أثبته البعض الآخر ولايعرف أى الأمرين قصدته المحكمة .

12 - لما كان ما ينعاه الطاعن على الحكم من دعوى الخطأ فى الاسناد لتحصيله أقوال الشاهد الأول ( المبلغ ) بأن الطاعن طلب منه الرشوة بعد استعلام الشاهد المذكور منه عن موقف الدفعة المقدمة للبدء فى إجراءات التوريد فى حين أن الثابت بأقواله بتحقيقات النيابة أن طلب الرشوة كان مقابل الاسراع فى اصدار أمر التوريد ، فإنه بفرض قيام هذا الخطأ فهو لايعيب الحكم لما هو مقرر من أن خطأ الحكم فى الاسناد لايعيبه ما لم يتناول الأدلة ما يؤثر فى عقيدة المحكمة ، ولما كان هذا الخطأ ـ على فرض وجوده ـ لم يظهر له أثر فى منطق الحكم أو فى النتيجة التى انتهى إليها طالما أن طالب الرشوة فى أى من الحالتين كان نظير أداء الطاعن لعمل من أعمال وظيفته ، أما ما يثيره الطاعن من خطأ الحكم فى هذا الصدد أيضاً بالنسبة إلى عضو الرقابة الادارية فهو مردود بأن البين من أقوال الشاهد المذكور أمام المحكمة بجلسة 26/2/1997 أن الطاعن طلب الرشوة مقابل الاسراع فى إجراءات صرف الدفعة المقدمة ـ حسبما حصله الحكم ـ ومن ثم فإن منعى الطاعن على الحكم بقالة الخطأ فلا الاسناد فى هذا الخصوص يكون على غير أساس.

13 - من المقرر أن الاعتراف فى المسائل الجنائية لايخرج عن كونه عنصراً من عناصر الدعوى التى تملك محكمة الموضوع الحرية فى تقدير حجيتها وقيمتها التدليلية على المعترف فلها أن تجزى هذا الاعتراف وتأخذ منه ما تطمئن إلى صدقه وتطرح ما سواه مما لاتثق به دون أن تكون ملزمة ببيان عله ذلك.

14 - من المقرر أنه لايلزم فى الاعتراف أن يرد على الواقعة بكافة تفاصيلها بل يكفى فيه أن يرد على وقائع تستنتج المحكمة منها ومن باقى عناصر الدعوى بكافة الممكنات العقلية والاستنتاجية اقتراف الجانى للجريمة.

15 - من المقرر أن البيان المعول عليه فى الحكم هو ذلك الجزء الذى يبدو فيه اقتناع القاضى دون غيره من الأجزاء الخارجية عن سياق هذا الاقتناع ، وأن تزيد الحكم فيما استطرد إليه لايعيبه ما دام أنه غير مؤثر فى منطقه أو فى النتيجة التى تناهى إليها ، ومادام أنه لم يورده إلا بعد أن كان قد فرغ فى منطق سائغ وتدليل مقبول يكفى لحمل قضائه بادانة الطاعن ، وكان ما يثيره الطاعن من أن الحكم عول فى ادانته على خبرته الوظيفية والمستندات المقدمة منه وأنه لم يبين مقصده مما أورده من أن الله سبحانه وتعالى سلط على الطاعن من هم على شاكلته إنما كان بعد أن فرغ الحكم من إيراد الأدلة السائغة التى تكفى لحمل قضائه وأن ذلك يعد تزيداً غير مؤثر فى منطق الحكم أو فى النتيجة التى خلص إليها فإن نعى الطاعن على الحكم فى هذا الصدد لايكون مقبولاً.
------------------------
  إتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه بصفته موظفا عموميا "رئيس مجلس إدارة شركة ........ التابعة للشركة القومية للتشييد والتعمير طلب وأخذ لنفسه وعدا وعطية لأداء عمل من أعمال وظيفته بأن طلب وأخذ لنفسه وعدا وعطية لأداء عمل من أعمال وظيفته بأن طلب من ....... المدير التنفيذى لشركة ...... للتجارة" نسبة واحد فى المائة من إجمالى قيمة العطاء المقدم من الشركة سالفة الذكر والبالغ قيمته خمسة وعشرون ألف جنيه عن عقد توريد عدد 14 دنبر (سيارة نقل ثقيل) وكذا وعدا بتحمل الشركة لكافة نفقات سفرنجله ....... لدولة ايطاليا لمدة عشرة أيام وأخذ منها مبلغ خمسة وعشرون ألف جنيه وذلك مقابل إنهاء إجراءات الحصول على اذون توريد الدنابر وصرف قيمة الشيك الدفعة المقدمة من قيمة التعاقد المبرم بين الشركتين على النحو الوارد بالأوراق . وأحالته الى محكمة أمن الدولة العليا بالقاهرة لمعاقبته طبقا للقيد والوصف الواردين بأمرالإحالة . والمحكمة المذكورة قضت حضوريا عملا بالمادتين 103 و 111/6 من قانون العقوبات مع إعمال المادة 17 من ذات القانون بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة خمس سنوات وتغريمه خمسة وعشرين ألف جنيه لما أسند إليه . 
فطعن الأستاذ/....... المحامى نيابة عن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ .
------------------------------
  حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة طلب وأخذ رشوة قد شابه قصور في التسبيب وأخطأ في تطبيق القانون وانطوى على خطأ في الإسناد وفساد في الاستدلال وإخلال بحق الدفاع. ذلك بأنه لم يبين واقعة الدعوى بيانا كافيا تتحقق به أركان الجريمة التي دان بها, ولم يبين تاريخ طلب الرشوة على نحو دقيق, هذا إلى أن دفاع الطاعن دفع بأنه ليس موظفا عاما وإنما هو رئيس شركة تابعة من شركات قطاع الأعمال العام وهو ما يجعل الواقعة المسندة إليه تخضع لنص المادة 106 مكررا (أ) من قانون العقوبات. كما دفع بأن تلك الشركة بيعت لشركة أجنبية في وقت سابق على الواقعة، وأن الواقعة - لو صحت - ينطبق عليها نص المادة 105 من قانون العقوبات, إلا أن الحكم دان الطاعن بمقتضى المادة 103 من ذلك القانون وأطرح الدفعين الأول والثالث بما لا يتفق وصحيح القانون, والتفت عن الرد على الدفع الثاني ولم تعن المحكمة بتحقيقه. كما دفع ببطلان إذن النيابة العامة بالتسجيل لعدم جدية التحريات, ولصدوره على رقم هاتف لا يخص الطاعن وقدم المستندات التي تظاهر هذا الدفع, كما دفع ببطلان تسجيل اللقاءات والمحادثات التليفونية لاشتراك المبلغ في إجرائها وهو غير مأذون له بذلك, ولأنها لم تتم تحت إشراف عضو الرقابة الإدارية المأذون له بالتسجيل، وبالتالي فلا يعول على شهادة أعضاء الرقابة الإدارية المستمدة من التسجيلات, إلا أن الحكم أطرح تلك الدفوع بغير ما يسوغ به إطراحها, وعول على تلك التسجيلات رغم تسليمه ببطلانها. وأسند الحكم إلى كل من المبلغ وعضو الرقابة الإدارية أن الطاعن طلب الرشوة بعد استعلام المبلغ منه عن موقف الدفعة المقدمة للبدء في إجراءات التوريد, وهو ما لا أصل له في الأوراق, كما أن الثابت بأقوالهما بالتحقيقات أن طلب الرشوة كان لسرعة إصدار أمر التوريد, وتناقض الحكم إذ أورد في معرض رده على دفاع الطاعن بأنه أقر بأن المبلغ المالي المضبوط بحوزته كان حصيلة اشتراكه في تحكيم في اليوم السابق على الضبط ثم عاد وأثبت بأن الطاعن أقر بضبط مبلغ الرشوة معه, وعول في إدانة الطاعن على خبرته الوظيفية والمستندات المقدمة منه مع أن ذلك غير جائز قانونا، وأخيرا فلم يبين الحكم مقصده مما أورده بأسبابه بأن "الله سلط على الطاعن من هم على شاكلته". وذلك كله يعيب الحكم ويستوجب نقضه. 
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما مؤداه أن شركة..... أعلنت عن مناقصة عامة لتوريد 14 سيارة نقل ثقيل ذات مواصفات خاصة, وانتهت لجنة البت في تلك الشركة على ترسية العطاء على شركة......التي تعمل في مجال الاستيراد والتصدير والتي كانت قد تقدمت بعطائها في تلك المناقصة, وخلال شهر يوليو سنة 1996 عين الطاعن رئيسا لمجلس إدارة الشركة المعلنة, فتوجه إليه المدير التنفيذي لشركة....... طالبا سرعة إصدار أمر التوريد الذي تأخر إصداره بسبب تغيير رئيس مجلس إدارة الشركة, فأصدر مجلس الإدارة قراره بالموافقة على إصدار أمر التوريد للشركة الموردة التي تسلمته بالفعل, وفي نهاية شهر سبتمبر سنة 1996 اتصل المدير التنفيذي للشركة الموردة بالطاعن للاستفسار منه عن موقف الدفعة المقدمة حتى تبدأ شركته في توريد المعدات في مواعيدها، فطلب منه الطاعن الحضور إلى مكتبه حيث طلب لنفسه 1% من قيمة العملية وأن تقوم الشركة الموردة بإعداد رحلة لنجله لمدة عشرة أيام إلى إيطاليا على حسابها، وأنه في مقابل ذلك سيقوم بإنهاء موضوع الدفعة المقدمة فأخبر المدير التنفيذي لتلك الشركة صاحب الشركة بما طلبه الطاعن واصطحبه إلى الطاعن الذي أعاد أمامهما ما سبق له طلبه, ونظرا لأن الشركة الموردة أوفت بكافة التزاماتها قبل الشركة التي يرأسها الطاعن فقد أبلغ مديرها التنفيذي الرقابة الإدارية بالواقعة,وبعد التأكد من صحة البلاغ طلب عضو الرقابة الإدارية من المبلغ مسايرة الطاعن, وعرض الأمر على النيابة العامة المختصة لضبط الواقعة فأذنت بتاريخ...../11/ 1996 لأي من مأموري الضبطية القضائية المختصين قانونا بهيئة الرقابة الإدارية بتسجيل الأحاديث واللقاءات والاتصالات الهاتفية التي تتم بين المبلغ والطاعن، وخلال المدة المحددة للإذن اتصل المبلغ بالطاعن واستفسر منه عن موقف الشيك الخاص بالدفعة المقدمة فأبلغه الطاعن بأن الشيك سيكون جاهز للاستلام, وفي اتصال هاتفي آخر بينهما طلب الطاعن من المبلغ مقابلته يوم 26/11/1996 بمكتبه, وخلال لقائهما استقر الأمر بينهما على أن يكون مبلغ الرشوة 25 ألف جنيه سيتم دفعها بمكتب الطاعن بتاريخ 28/11/1996 صباحا وتم تسجيل هذا اللقاء، وتم استصدار إذن من نيابة أمن الدولة العليا بضبط الطاعن، وفي الموعد المحدد حضر المبلغ إلى مكتب الطاعن وسلمه مبلغ الرشوة المطلوب وتم ضبطه بمعرفة أعضاء الرقابة الإدارية والعثور على المبلغ بدرج مكتبه, ودلل الحكم على هذه الواقعة بما ينتجها من وجوه الأدلة واستظهر أن الشركة التي يرأس مجلس إدارتها الطاعن هي إحدى الشركات التابعة للشركة القابضة للتشييد والتعمير وأنها إحدى شركات قطاع الأعمال العام وأن أموالها تعتبر في حكم الأموال العامة, كما يعد القائمون على إدارتها والعاملون فيها في حكم الموظفين العموميين وأن من سلطة الطاعن الموافقة على صرف مبلغ الدفعة المقدمة - مقابل الرشوة - بالإضافة إلى المراحل التالية من صرف باقي المستحقات واستلام المعدات ومعاينتها وتطابقها مع المواصفات المتعاقد عليها بين الشركة التي يرأس مجلس إدارتها وبين الشركة الموردة, كما خلص الحكم إلى توافر القصد الجنائي لدى الطاعن فيما أورده من أنه طلب مبلغ الرشوة وسفر نجله إلى إيطاليا مقابل استعجال صرف مبلغ الدفعة الأولى المقدمة, وتسهيل استلام المعدات والآلات محل التعاقد, وهو ما يتحقق به معنى الاتجار بالوظيفة, ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن بدعوى عدم استظهار الحكم لأركان الجريمة التي دانه بها يكون بعيدا عن محجة الصواب لما كان ذلك, وكان البين من مجموع الحكم المطعون فيه أنه حدد تاريخ الإبلاغ عن الواقعة بيوم 20/10/1996 وتاريخ ضبطها بيوم 28/11/1996 فإن ما يثيره الطاعن من أن الحكم لم يبين تاريخ طلب الرشوة على نحو دقيق يكون غير سديد. لما كان ذلك, وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفاع الطاعن بأنه ليس موظفا عاما ورد عليه بقوله "وحيث أنه بشأن ما أثاره الدفاع من أن المتهم لا يعتبر موظفا عاما في حكم جريمة الرشوة, فإن هذا الدفاع ينطوي على فهم خاطئ لأحكام القانون, ذلك أن الثابت أن المتهم يعمل رئيسا لمجلس إدارة شركة....... إحدى شركات الشركة القابضة للتشييد والتعمير وبالتالي فهي إحدى شركات القطاع العام التي تعتبر أموالها أموالا عامة ويعتبر موظفيها موظفين عموميين طبقا لنص المادتين 111/6، 119/2 من قانون العقوبات في شأن جرائم الرشوة والاختلاس والاستيلاء على المال العام". وهذا الذي خلص إليه الحكم صحيح في القانون, فقد رأى المشرع اعتبار القائمين على إدارة الشركات الخاضعة لقانون قطاع الأعمال العام والعاملين فيها في حكم الموظفين العموميين في تطبيق الجرائم الواردة بالبابين الثالث والرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات - ومن بينها الرشوة - حين نص في المادة 52 من قانون قطاع الأعمال العام رقم 203 لسنة 1991 - والتي تخضع الشركة التي يرأس مجلس إدارتها الطاعن لأحكامه - على أنه "تعتبر أموال الشركات الخاضعة لأحكام هذا القانون في حكم الأموال العامة, كما يعد القائمون على إدارتها والعاملون فيها في حكم الموظفين العموميين, وذلك في تطبيق أحكام البابين الثالث والرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات, وهو ما يوفر في حق الطاعن أنه في حكم الموظفين العامين في مجال جريمة الرشوة, ويتفق وحكم المادة 111 من قانون العقوبات التي استند إليها الحكم في إطراح دفاع الطاعن, ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن من أن المادة 106 مكررا (أ) من قانون العقوبات الخاصة بالعاملين بالشركات المساهمة، هو الذي ينطبق على واقعة الدعوى وتعييبه الحكم في اطراحه دفاعه في هذا الصدد يكون على غير أساس. لما كان ذلك, وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لما دفع به الطاعن من أن المادة 105 من قانون العقوبات هي المنطبقة على واقعة الدعوى ورد عليه بقوله "وحيث إنه بشأن ما أثاره الدفاع من أن المادة واجبة التطبيق هي المادة 105 عقوبات فإن مناط التفرقة بين انطباق المادة 103 عقوبات والمادة 105 عقوبات هو أنه إذا توافر اتفاق بين الموظف وصاحب المصلحة على أداء العمل مقابل الجعل انطبقت المادة 103 عقوبات, يستوي في ذلك أن يكون العطاء سابقا أو معاصرا لأداء العمل أو لاحقا عليه ما دام الجعل كان تنفيذا لاتفاق سابق, إذ أن نية الاتجار بالوظيفة في هذه الحالة تكون قائمة منذ البداية, أما إذا كان أداء العمل أو الامتناع عنه أو الإخلال بواجبات الوظيفة غير مسبوق باتفاق بين الراشي والمرتشي فإن العطاء اللاحق في هذه الحالة تنطبق عليه المادة 105 عقوبات, وإذ كان المبلغ قد قام بدفع الرشوة نتيجة اتفاق سابق كما يبين من تسلسل كافة وقائع الدعوى, فإن المتهم يكون قد تقاضى مبلغ الرشوة نتيجة الاتفاق السابق بين المبلغ والمتهم، وتضحى المادة 103 من قانون العقوبات هي الواجبة التطبيق وفق الأساس الصحيح لأحكام القانون نتيجة الجريمة التي أنزلق المتهم إلى ارتكابها". وإذ كان الحكم المطعون فيه قد أثبت - في رده على دفاع الطاعن - أن جريمة الرشوة المنصوص عليها في المادة 103 من قانون العقوبات التي دان الطاعن بها، هي التي تنطبق على واقعة الدعوى, وأطرح ما دفع به الطاعن من انطباق المادة 105 من قانون العقوبات على واقعة الدعوى, بما يتفق، وصحيح القانون، فإن منعي الطاعن على الحكم في هذا الصدد يكون غير سديد لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه يشترط في الدفاع الجوهري كيما تلتزم المحكمة بالالتفات إليه والرد عليه, أن يكون مع جوهريته جديا وأن يشهد له الواقع ويسانده أما إذا كان عاريا من دليله فلا تثريب على المحكمة إن هي التفتت عنه لما ارتأته من عدم جديته وعدم استناده إلى واقع يظاهره, ولا يعيب حكمها خلوه من الرد عليه وحسبه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى الطاعن. وكان الثابت من الإطلاع على محضر جلسة 26/3/1997 أن المدافع عن الطاعن أثار أن الشركة التي يرأسها الطاعن قد بيعت واشترتها شركة أجنبية إلا أنه لم يقدم إلى المحكمة ما يؤيد دفاعه فإنها تكون في حل من الالتفات إليه دون أن تتناول الرد عليه في حكمها ولا يعتبر سكوتها عن ذلك إخلالا بحق الطاعن في الدفاع ولا قصورا في حكمها ومن ثم فإن نعي الطاعن في هذا الخصوص يكون على غير أساس. لما كان ذلك, وكان الطاعن لم يطلب إلى المحكمة تحقيقا في شأن ما يدعيه من بيع الشركة التي يرأسها الطاعن إلى شركة أجنبية, فإنه لا يقبل منه النعي على المحكمة قعودها عن إجراء لم يطلب منها لما كان ذلك, وكان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع ببطلان إذن النيابة العامة لعدم جدية التحريات وأطرحه بقولة "وحيث إنه بشأن ما أثاره الدفاع من بطلان الإذن الصادر من النيابة العامة لانعدام التحريات وعدم جديتها تأسيسا على أن محرر محضر التحريات غير جاد في تحريه وإلا كان قد علم بأن المبلغ سبق الحكم عليه في قضية سرقة سيارة وإصدار شيك دون رصيد وأن ما أثبته محرر التحريات من أن المتهم ليس فوق مستوى الشبهات تدحضه تقارير الرقابة الإدارية من أن المتهم يصلح لشغل المناصب الإدارية العليا, فإن هذا الدفع في غير محله وذلك إنه لا يتم محاكمة المتهم عن ماضيه وأنه كان حسن السمعة وأنه يصلح لتولي المناصب العليا وأنه فوق مستوى الشبهات, وإنما تتم محاكمته عن جريمة نسبت إليه ومدى صحة أدلة الثبوت عليها ودلالة ذلك أنه من العلم العام لدى الكافة ومن السوابق القضائية وما تشهده المحاكم أن ثمة متهمين كان من الصعب على الرأي العام أو المحيطين بهم أن يتوقعوا أن هؤلاء من الممكن أن ينزلقوا إلى الجرائم المسندة إليهم, كما أنه من ناحية أخرى فإنه على فرض صحة ما نسب إلى المبلغ من سبق اتهامه في جريمة سرقة سيارة وإصدار شيك دون رصيد والحكم عليه, فإنه ليس ممنوعا قانونا من الإبلاغ عن الجرائم ومن الشهادة, ووزن شهادته والتعويل عليها وإنزالها المنزلة التي تراها المحكمة. لما كان ذلك, وكان المبلغ وهو يعمل المدير التنفيذي لشركة....... المتعاقدة مع الشركة التي يعمل المتهم رئيسا لمجلس إدارتها، قد قام بإبلاغ عضو الرقابة الإدارية بما طلبه منه المتهم كمبلغ للرشوة في مقابل القيام بعمل من أعمال وظيفته وتظاهر المبلغ بالقبول وأسرع بالإبلاغ وقام عضو الرقابة الإدارية بأفراد محضر مستقل أثبت فيه البلاغ الذي تلقاه, كما قام بتكثيف تحرياته نحو المتهم وتبين له أن المتهم ليس فوق مستوى الشبهات وبصحة ما أبلغ به, فإن ذلك من الأمارات القوية والدلائل الكافية التي تنبئ عن وقوع جريمة يتعين الكشف عنها, وبالتالي فإن التحريات على هذا النحو قد جاءت سالمة من أية علة فادحة تنال منها، وإذا ما تم قيام المبلغ بمسايرة المتهم فيما طلبه وتم إثبات كافة الخطوات وتسجيلها أولا بأول بمعرفة الأجهزة الفنية بهيئة الرقابة الإدارية وتم سؤال المبلغ في محضر مستقل عن كل مرحلة إلى ما قبل واقعة الضبط وعرض الأمر على النيابة العامة المختصة التي أطمأنت إلى جدية التحريات وأصدرت إذنها بالتسجيل والضبط والتفتيش, وكانت هذه المحكمة تقر النيابة العامة على تصرفها ومن ثم فإن الدفع ببطلان الإذن على الأساس سالف الذكر يضحى غير سديد. وإذ كان من المقرر أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار إذن التفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع. ومتى اقتنعت المحكمة بجدية الاستدلالات التي بني عليها إذن التفتيش وكفايتها لتسويغ إصداره وأقرت النيابة على تصرفها في هذا الشأن- كما هو الحال في الدعوى الراهنة - فإنه لا معقب عليها فيما ارتأته لتعلقه بالموضوع لا بالقانون, فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد لا يكون سديدا. لما كان ذلك, وكان الحكم قد عرض للدفع ببطلان إذن النيابة العامة بالتسجيل لإجرائه على هاتف لا يخص الطاعن ورد عليه بقوله "كما أنه بشأن ما أثاره الدفاع من أن الهاتف الصادر به الإذن غير خاص بالمتهم وبالتالي كان يتعين استئذان القاضي الجزئي طبقا لنص المادة 206 من قانون الإجراءات الجنائية فإن الدفع ببطلان الإذن في هذا الشأن وعلى هذا الأساس أيضا غير سديد. ذلك أنه على فرض أن هذا الهاتف غير خاص بالمتهم وخاص بغيره فإن الدفع في هذا الشأن لا يقبل من غير حائزه باعتبار أن الحائز هو صاحب الصفة في ذلك وأن الصفة تسبق المصلحة فإن لم يثره الحائز أو المالك فليس لغيره أن يبديه ولو كان يستفيد منه لأن هذه الفائدة لا تلحقه إلا بالتبعية وحدها, وإذ كان ما خلص إليه الحكم في إطراح ما دفع به الطاعن متفقا وصحيح القانون. فإن منعاه على الحكم في هذا الصدد يكون غير مقبول. لما كان ذلك, وكان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع ببطلان التسجيلات وأطرحه بقوله "وحيث إنه بشأن ما أثاره الدفاع من بطلان التسجيلات لأنها لم تتم بمعرفة أحد أعضاء الرقابة الإدارية فإن هذا الدفع ببطلان التسجيلات في غير محله, ذلك أن الثابت من التسجيل الذي تم يوم 26/11/1996 والذي تضمن الحوار الذي دار بين المبلغ والمتهم حول السبب في طلب الرشوة وظروف سفر نجل المتهم إلى إيطاليا, قد تم تحت سمع عضو الرقابة الإدارية الذي كان أسفل مقر الشركة بالسيارة المجهزة فنيا وسمع الحوار, وأيضا بالتسجيل الحاصل وقت الضبط يوم 28/11/1996 وأفرد لكل من التسجيلين سالفي الذكر يومي 26, 28/11/1996 محضرا مستقلا تم فيه إثبات ما دار من حديث وما دار بشأن واقعة الضبط, وأنه وإن كان يشترط لصحة إجراءات التسجيل أن يجريه مأمور الضبط القضائي أو من يعاونه وفقا لإذن النيابة العامة, إلا أن ذلك لا يمنعه من الاستعانة بأعوانه ولو كانوا من غير مأموري الضبط القضائي طالما أن ذلك قد تم تحت إشراف من له الحق في التسجيل قانونا, وعلى ذلك فإنه إذا ما صدر إذن النيابة العامة لمأمور الضبط القضائي بالتسجيل فإن للأخير أن يتخذ ما يراه كفيلا بتحقيق الغرض منه دون أن يلتزم في ذلك طريقة بعينها ما دام لا يخرج في إجراءاته عن نطاق القانون, ومن ثم وبالنظر إلى إجراءات التسجيل الصوتي والتي لابد فيها من مسجل ومستمع وطبيعة هذه الدعوى ذاتها التي تستلزم أن يكون المبلغ هو المسجل تحت إشراف المستمع الذي هو مأمور الضبط القضائي المأذون له بالتسجيل والذي له حق الاستعانة بمن يرى تنفيذا للغرض منه طالما قد تم في نطاق القانون أي تحت سمع عضو الرقابة الإدارية المأذون له, ومن ثم يكون في استعانة عضو الرقابة بالمبلغ في تسجيل الحديث الذي دار بين المتهم والمبلغ حول طلب الرشوة والحصول عليها تحت سمع عضو الرقابة الإدارية صحيحا". وهو من الحكم رد سائغ وكاف, لما هو مقرر من أن تسجيل المحادثات التي تجرى في مكان خاص هو عمل من أعمال التحقيق, وكانت المادة 200 من قانون الإجراءات الجنائية تجيز لكل من أعضاء النيابة العامة في حالة إجراء التحقيق بنفسه أن يكلف أيا من مأموري الضبط القضائي ببعض الأعمال التي من اختصاصاته, فإن لازم ذلك أنه يتعين أن يقوم مأمور الضبط القضائي بنفسه بمباشرة الإجراء ذاك الذي ندب لتنفيذه أو أن يكون الإجراء قد تم على مسمع ومرأى منه, وكان الحكم المطعون فيه فيما أورده في مدوناته - على السياق المتقدم - قد تناهى إلى أن إجراءات تسجيل الحديث ذاك قد تم على مسمع من مأمور الضبط المعني فإن منعي الطاعن في هذا الصدد يكون في غير محله, ويكون الحكم إذ عول في إدانة الطاعن على أقوال أعضاء الرقابة الإدارية المستندة إلى تلك التسجيلات بمنأى عن الفساد في الاستدلال ويضحى ما يثيره الطاعن في هذا الشأن غير سديد. لما كان ذلك, وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن المحكمة عولت في إدانة الطاعن على تسجيلات اللقائين اللذين تما بين المبلغ والطاعن يومي 26, 28/11/1996 وأفصح الحكم عن اطمئنانه إليها ثم أردف بقوله " أنه على فرض بطلان التسجيلات فلا يوجد ما يمنع المحكمة من اعتبارها عنصرا من عناصر الإثبات في الدعوى في منزلة تظاهر الأدلة" ويبين مما أورده الحكم أن المحكمة لم تبن قضاءها بصفة أصلية على تلك التسجيلات وإنما استندت إليها كقرينة تعزز بها أدلة الثبوت التي أوردتها, ولا يعد ذلك منها تناقضا أو اضطرابا في الحكم, وذلك لما هو مقرر من أن التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر لا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة. لما كان ذلك, وكان ما ينعاه الطاعن على الحكم من دعوى الخطأ في الإسناد لتحصيله أقوال الشاهد الأول (المبلغ) بأن الطاعن طلب منه الرشوة بعد استعلام الشاهد المذكور منه عن موقف الدفعة المقدمة للبدء في إجراءات التوريد في حين أن الثابت بأقواله بتحقيقات النيابة أن طلب الرشوة كان في مقابل الإسراع في إصدار أمر التوريد, فإنه بفرض قيام هذا الخطأ فهو لا يعيب الحكم لما هو مقرر من أن خطأ الحكم في الإسناد لا يعيبه ما لم يتناول من الأدلة ما يؤثر في عقيدة المحكمة, ولما كان هذا الخطأ - على فرض وجوده - لم يظهر له أثر في منطق الحكم أو في النتيجة التي انتهى إليها طالما أن طلب الرشوة في أي من الحالتين كان نظير أداء الطاعن لعمل من أعمال وظيفته, أما ما يثيره الطاعن من خطأ الحكم في هذا الصدد أيضا بالنسبة إلى عضو الرقابة الإدارية......فهو مردود بأن البين من أقوال الشاهد المذكور أمام المحكمة بجلسة 26/2/1997 أن الطاعن طلب الرشوة مقابل الإسراع في إجراءات صرف الدفعة المقدمة - حسبما حصله الحكم - ومن ثم فإن منعي الطاعن على الحكم بقالة الخطأ في الإسناد في هذا الخصوص يكون على غير أساس. لما كان ذلك, وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه عول - ضمن ما عول - في إدانة الطاعن على اعترافه بالتحقيقات بأن مبلغ الرشوة المضبوط خاص به, وأورد في هذا الصدد قوله فقد اعترف المتهم صراحة يوم 30/11/1996 بالتحقيقات لدى اصطحابه إلى مسكنه لتفتيشه أن المبلغ المضبوط حصل عليه من تحكيم, وبالتالي فلا مجال لأدنى شك في اعتراف المتهم بملكيته للمبلغ المضبوط الذي هو مبلغ الرشوة الذي صدر به إذن النيابة العامة واطلعت على مفردات المبلغ, وكان من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية لا يخرج عن كونه عنصرا من عناصر الدعوى التي تملك محكمة الموضوع الحرية في تقدير حجيتها وقيمتها التدليلية على المعترف فلها أن تجزئ هذا الاعتراف وتأخذ منه ما تطمئن إلى صدقه وتطرح ما سواه مما لا تثق به دون أن تكون ملزمة ببيان علة ذلك, كما لا يلزم في الاعتراف أن يرد على الواقعة بكافة تفاصيلها بل يكفي فيه أن يرد على وقائع تستنتج المحكمة منها ومن باقي عناصر الدعوى بكافة الممكنات العقلية والاستنتاجية اقتراف الجاني للجريمة - كما هو الحال في الدعوى الراهنة - ومن ثم فلا يجدي الطاعن نعيه على الحكم بأنه اعترف بأن المبلغ المضبوط كان حصيلة تحكيم واعتبره الحكم معترفا بضبط مبلغ الرشوة بحوزته, طالما استدل الحكم على ذلك بأن ذلك المبلغ هو الذي صدر به إذن النيابة واطلعت عليه - وهو ما لا ينازع فيه الطاعن - فإن نعيه على الحكم في هذا الصدد لا يكون سديدا. لما كان ذلك, وكان من المقرر أن البيان المعول عليه في الحكم هو ذلك الجزء الذي يبدو فيه اقتناع القاضي دون غيره من الأجزاء الخارجة عن سياق هذا الاقتناع، وأن تزيد الحكم فيما استطرد إليه لا يعيبه ما دام أنه غير مؤثر في منطقه أو في النتيجة التي تناهى إليها, وما دام أنه لم يورده إلا بعد أن كان قد فرغ في منطق سائغ وتدليل مقبول يكفي لحمل قضائه بإدانة الطاعن, وكان ما يثيره الطاعن من أن الحكم عول في إدانته على خبرته الوظيفية والمستندات المقدمة منه وأنه لم يبين مقصده مما أورده من أن "الله سبحانه وتعالى سلط على الطاعن من هم على شاكلته" إنما كان بعد أن فرغ الحكم من إيراد الأدلة السائغة التي تكفي لحمل قضائه, وأن ذلك يعد تزيدا غير مؤثر في منطق الحكم أو في النتيجة التي خلص إليها, فإن نعي الطاعن على الحكم في هذا الصدد لا يكون مقبولا. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق