الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 5 مارس 2015

(الطعن 9373 لسنة 66 ق جلسة 3 / 5 / 1998 مكتب فني 49 ق 81 ص 622)

  برئاسة طلعت الاكيانى نائب رئيس المحكمة وعضوية احمد جمال الدين عبد اللطيف وبدر الدين السيد البدرى ومحمد شعبان باشا نواب رئيس المحكمة وناجى عبد العظيم.
-----------------
1 - لما كانت المادة 310 من قانون الاجراءات الجنائية قد أوجبت فى كل حكم بالادانة أن يشمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بياناً تتحقق به أركان الجريمة التى دان الطاعنين بها والظروف التى وقعت فيها والأدلة التى استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها منهما ، وكان يبين مما حصله الحكم فيما تقدم أنه بين وقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التى دان الطاعنين بها وأورد على ثبوتها فى حقهما أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها وجاء استعراضه لأدلة الدعوى على نحو يدل على أن المحكمة محصتها التمحيص الكافى وآلمت بها الماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغى عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة ، ومن ثم فإن منعى الطاعنين بأن الحكم شابه الغموض والابهام وعدم الالمام بواقعات الدعوى ومستنداتها لا محل له .

2 - لما كان البين من محاضر جلسات المحاكمة أن ما ورد على لسان المدافع عن الطاعنين من أنه يدفع ببطلان التسجيلات ـ فقد سيق فى عبارة مرسلة مجهلة مما يعد دفعاً جدياً تلتزم المحكمة بالرد عليه.

3 - لما كان من المقرر أن طريقة تنفيذ الإذن الصادر من النيابة العامة موكولة إلى عضو الرقابة الإدارية المأذون له إجراءات تسجيل المحادثات الشفوية والسلكية والللاسلكية والتصوير يجريها تحت رقابة محكمة الموضوع فله أن يستعين فى تنفيذ ذلك بالفنيين ورجال الضبط القضائى وغيرهم بحيث يكونون تحت اشرافه ـ وهو الحال فى الدعوى المطروحة على فرض صحة استعانة المأزون له بالغير تنفيذاً للإذن ، ومن ثم فإن ما أثاره الطاعنين فى هذا الخصوص يكون غير قويم .

4 - لما كان البين من مطالعة محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعنين لم يثر أحدهما شيئاً بخصوص أقوال المحكوم عليه الثالث بأنها  صدرت عنه تحت تأثير اكراه كما أمر بطلان أقوال الشهود بتحقيقات النيابة العامة لما لحق بهم من خوف ورهبة لتوجيه الاتهام لبعضهم فليس لأياً منهم أن يثير هذا الأمر لأول مرة أمام محكمة النقض .

5 - لما كان الاشتراك بالاتفاق إنما يتحقق من اتحاد نية اطرافه على ارتكاب الفعل المتفق عليه وهذه النية أمر داخلى لايقع تحت الحراس ولا تظهر بعلامات خارجية ـ وإذا كان القاضى الجنائى ـ فيما عدا الأحوال الاستثنائية التى قيده القانون فيها بنوع معين من الأدلة ـ حراً فى أن يستمد عقيدته من أى مصدر شاء فإن له إذا لم يقم على الاشتراك دليل مباشر من الاعتراف أو شهادة شهود أو غيره ، أن يستدل عليه بطريق الاستنتاج من القرائن التى تقوم لديه كما له أن يستنتج حصوله من فعل لاحق للجريمة يشهد به ، وكان الحكم قد استدل على أن الطاعن الثانى ـ كان على اتفاق سابق مع الطاعن الأول على سحب صفائح الجبن غير الصالح للاستهلاك الأدمى واستبداله بجبن آخر غير معيب مقابل جعل نقدى معين تقاضى جزءاً منه فعلاً ، ونفاذا لهذا الاتفاق قام المحكوم عليه الثالث بسحب أربعين صفيحة تلاها نفس العدد ، ولما كان مجمل عدد الصفائح 719 صفيحة ولعدم قدرة المحكوم عليه الثالث على دفع باقى المبالغ المطلوبه فقد اضطر إلى ابلاغ هيئة الرقابة الإدارية التى قامت بتسجيل لقاءات الطاعنين والمحكوم عليه الثالث ، وكان ما أورده الحكم سائغاً فى المنطق ويتوفر به الاشتراك بطرقى الاتفاق والمساعدة فى جريمة الرشوة على ماهو معروف به فى القانون .

6 - لما كان اقرار الطاعن الثانى بالتحقيقات بأنه كان هناك اتفاق بين الطاعن الأول والمحكوم عليه الثالث يسمح بموجبه الأول للأخير بسحب كمية من صفائح الجبن المتحفظ عليها ـ وإن كان لايعد اعترافاً بالجريمة التى دين بها كما هى معرفة به قانوناً ، إلا أنه يؤكد اتفاقه مع المتهم الأول على سحب واستبدال صفائح متحفظ عليها بالثلاجة المنوط به العمل عليها ، هذا ولم تخطىء المحكمة فى تسمية هذا الاقرار اعترافاً على نحو ما ذهب إليه بوجه طعنه ـ كما أن المحكمة ترتب عليه وحده الأثر القانونى للاعتراف وهو الاكتفاء به والحكم على الطاعن بغير سماع شهود فإن النعى على الحكم فى هذا الصدد يكون فى غير محله.

7 - لما كان من المقرر أن طاعة الرئيس لا تمتد بأى حال إلى ارتكابة الجرائم وأنه ليس على مرؤوس أن يطيع الأمر الصادر له من رئيسه بارتكاب فعل يعلم هو أن القانون يعاقب عليه . وكان فعل الرشوة واشتراك الطاعن فيه الذى أسند إليه ودانته المحكمة به هو عمل غير مشروع ونية الاجرام فيه واضحة بما لايشفع للطاعن فيما يدعيه بأنه مجبر على الانصياع لما يصدر من تعليمات وأوامر واجبة النفاذ ، فمن ثم لايجدى الطاعن الثانى ما أثاره فى هذا الخصوص من أوجه نعى لامحل لها .

8 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع الحق فى أن تستخلص من جماع الأدلة والعناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى لم تقتنع بصحتها مادام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة فى العقل والمنطق ولها اصلها فى الأوراق .

9 - لايشترط أن يكون الأدلة التى اعتمد عليها الحكم بحيث ينبىء كل دليل منها ويقطع فى كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ أن الأدلة فى المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حده دون باقى الأدلة بل يكفى أن يكون الأدلة فى مجموعها كوحدة مؤدية إلى ماقصده الحكم منها ومنجة فى اقتناع المحكمة ةاطمئنانها إلى ما انتهت إليه .

10 - لما كان من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقديرها مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التى تراها وتقدره التقدير الذى تطمئن إليه بغير معقب . ومتى أخذت بأقوال الشهود فإن ذلك يفيد اطراحها لجميع الاعتبارات التى ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ولما كان الحكم قد كشف عن اطمئنانه إلى أقوال أعضاء الرقابة الإدارية والشهود وإقرارات المتهمين واقتناعه بارتكاب الطاعنين للجرائم المسندة لكل منهما على الصورة التى شهدوا بها وكان ما أورده سائغاً فى العقل ومقبولاً فى بيان كيفية اقتراف كل من الطاعنين للأفعال المسندة إليهما فلا تثريب على المحكمة فيما اقتنعت به من امكان حدوثه على الصورة التى قررها الشهود والمتهمين والتى تأيدت بالتسجيلات والتقارير الفنية ، فإن ما يثيره كل من الطاعنين من منازعة حول تصوير المحكمة للواقعة أو فى تصديقها لأقوال الشهود أو محاولة تجريحها ـ على النحو الذى ذهب إليه الطاعنين بأسبابهما ـ ينحل إلى جدل موضوعى فى تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها فى شا،ه أمام محكمة النقض .

11 - لما كان الحكم قد أوقع على الطاعن الثانى عقوبة واحدة عن جميع الجرائم المسندة إليه نظراً للارتباط تطبيقاً للمادة 32/2 من قانون العقوبات وهى العقوبة المقررة للجريمة الأولى الأشد وهى الاشتراك فى الرشوة التى ثبتت فى حقه على نحو ما سلف فلا يجديه من بعد ما أثاره من مناعى على جريمة التبديد .
-------------------
  إتهمت النيابة العامة كلا من 1- ......... (طاعن) 2- ....... (طاعن) 3-.....  بوصف أنهم : أولا المتهم الاول : 1- بصفته موظفا عموميا (أخصائى ..... بوزارة ......) طلب وأخذ لنفسه ولغيره مبالغ نقدية على سبيل الرشوة للإخلال بواجبات وظيفته بأن طلب من المتهم الثالث لنفسه مبلغ أحد عشر ألف جنيها أخذ منها الآخر مبلغ ألفى جنيه وشيكا بمبلغ خمسة آلاف جنيه على سبيل الرشوة مقابل تسليم المتهم الثالث صفائح الجبن التى تحفظ عليها الأول بمناسبة وظيفته لدى المتهم الثانى على سبيل الوديعة لعدم صلاحيتها للإستهلاك الآدمى والتى تحرر عنها المحضر رقم ...... لسنة 1994 جنح الازبكية . ثانيا المتهم الثانى 1- إشترك بطريقى الإتفاق والمساعدة مع المتهم الاول فى إرتكاب الجناية سالفة الذكر بأن إتفق معه على إرتكابها وساعده بأن سمح للمتهم الثالث بسحب كمية من الصفائح المتحفظ عليها على سبيل الوديعة وتمت الجريمة بناء على هذا الإتفاق وتلك المساعدة .2- عين لأخذ جزء من المبلغ النقدى موضوع الرشوة وقدره سبعة آلاف جنيه مع علمه بسببه. 3- بدد صفائح الجبن المسلمة إليه على وجه الوديعة من قبل المتهم الاول بصفته الوظيفية بأن سمح للمتهم الثالث بإستلام جزء منها على النحو المبين بالتحقيقات . ثالثا المتهم الثالث : قدم رشوة لموظف عام للإخلال بواجبات وظيفته بأن قدم للمتهم الاول بمناسبة وظيفته وللمتهم الثانى بناء على طلب الاول المبالغ النقدية موضوع التهمة الاولى مقابل السماح له بإستلام صفائح الجبن المملوك له والمتحفظ عليه لدى الثانى لحين التصرف فى القضية سالفة البيان  مع عدم صلاحيتها للإستهلاك الآدمى . وأحالتهم الى محكمة أمن الدولة العليا بالقاهرة لمعاقبتهم طبقا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة . والمحكمة المذكورة قضت حضوريا للأول والثانى وغيابيا للثالث عملا بمواد الإتهام 40/2 و 3 و 41 و 103 و 104 و 107 مكررا و 108مكرر و341 من قانون العقوبات مع إعمال المادتين 17 و 32 من ذات القانونن بمعاقبة كل منهم بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات وتغريمه ألفى جنيه (2000 جنيها) . 
فطعن المحكوم عليهما الأول والثانى فى هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ.
-------------------
  حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن الأول بجريمة الرشوة ودان الطاعن الثاني بجريمة الاشتراك في الرشوة, وأخذ جزء منها، والتبديد، قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع, ذلك بأنه اعتوره الغموض والإبهام وعدم الإلمام بوقائع الدعوى ومستنداتها, إذ لم يستظهر دور كل طاعن والمتهم الآخر ومن هو الفاعل الأصلي والشريك والأفعال التي أتوها, وعول في الإدانة على محتوى التسجيلات رغم الدفع ببطلانها لأن يد العبث امتدت إليها بالحذف والتغيير والتبديل، كما أن النيابة العامة أذنت لعضو الرقابة الإدارية بمباشرة إجراءات التسجيل إلا أنه أسندها للمحكوم عليه الثالث وهو من آحاد الناس بما يدمغ تلك الإجراءات بالبطلان, وتساند في إدانة الطاعن الأول على أقوال المتهم الثالث رغم أنها وليدة إكراه معنوي, كما أن الطاعن الثاني مجرد عامل بإحدى الشركات الخاصة ومن موجبات عمله الإذعان لأوامر رؤسائه فلا يعدو دوره سوى مجرد تنفيذ ما يتلقاه من تعليمات ولا صلة للشركة التي يعمل بها بواقعة الرشوة, وخلت الأوراق من أي دليل أو حتى قرينة على ثبوت الاتهام في حقه إذ قدم شهادة معتمدة تثبت إعدام عدد من صفائح الجبن كاملة, مما ينفي جريمة التبديد، كما أن زعم عضو الرقابة الإدارية بأن الشيك المثبت به الجعل المالي يادر الطاعن بالأول بتمزيقه محاولة منه لطمس دليل إدانته هو قول مختلق لا يستقيم وماديات الدعوى إذ لو صح زعمه لبادر لجمع قصاصات الشيك وتحريزها واتخاذ الإجراءات واجبة الإتباع حيالها وهو ما لم يحدث. كما أن المحكمة طلبت من الدفاع تقديم مذكرات بأوجه الدفاع والدفوع على خلاف الأصل العام وهو شفهية المرافعة ورغم ذلك أغفلتها فلم تعرض لها، كما عول الحكم على أقوال الشهود بالتحقيقات رغم بطلانها لما لحق بهم من خوف ورهبة عندما وجهت النيابة العامة الاتهام لكل منهم, كما عول الحكم على اعتراف الطاعن الثاني رغم أن أقواله لا تعد اعترافا. هذا جميعه مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما محصله أنه في ... قامت حملة تموينية بعضويتها الطاعن الأول.... أخصائي زراعي بوزارة التموين - بضبط صفائح جبن غير صالح للاستهلاك الآدمي مملوكة للمحكوم عليه الثالث... وكانت مودعة بثلاجة ... عهدة الطاعن الثاني.... حرر الطاعن الأول محضرا وتحفظ على صفائح الجبن لدى الطاعن الثاني بموجب قرار موقعا عليه منه وفي نهاية شهر يناير سنة 1995 توجه الأول إلى الثالث وطلب لنفسه وللثاني مبالغ نقدية على سبيل الرشوة مقابل السماح للثالث بسحب أعداد من صفائح الجبن المتحفظ عليها واستبدالها بصفائح من الجبن الصالح للاستهلاك الآدمي, وفي 6/2/1995 توجه الثاني لحانوت الثالث وقبض منه مبلغ ألفي جنيه مقابل سحب عدد أربعين صفيحة وطلب منه مقابلة الأول في الساعة الثامنة مساء نفس اليوم في محل... وبالفعل قابله وشرح له كيفية سحب واستبدال الصفائح وطلب منه مبلغ ألفي جنيه تحت الحساب فأعطاه المبلغ وبالفعل قام بسحب أربعين صفيحة أخرى فقام الثالث بإبلاغ الرقابة الإدارية بما تقدم فاستصدرت إذنا من النيابة العامة تسجيل صوت وصورة لما يقع من  مقابلات ومحادثات وضبط الطاعنين حال تقاضيهما مبالغ الرشوة وأسفر ذلك عن إثبات واقعة لقاء يوم ....وفيه طلب الأول من الثالث مبلغ عشرة آلاف جنيه لنفسه ومبلغ خمسة آلاف جنيه للثاني خلاف ما تم دفعه مقابل استبدال صفائح الجبن المضبوطة, كما تم تسجيل لقاء يوم ..... في إمبابة بين الثلاثة تم الاتفاق فيه على كيفية سحب الجبن الفاسد ووضع جبن غير فاسد بدلا منه وإعادة لحام ذات الصفائح مقابل أن يتقاضى الثاني مبلغ 1000 جنيه توزع على عمال الثلاجة المحتفظ بها على الصفائح المضبوطة ويحرر للثاني شيكا بمبلغ 5000 جنيه يرد له بعد إعطائه قيمته مساء يوم ...... بمحل الأمريكيين وقام الثالث بإعداد مبلغ 2000 جنيه للأول كجزء من مبلغ الرشوة وتوجه للمكان المحدد وتقابل مع الأول وأعطاه مبلغ 2000 جنيه وكذا الشيك فوضع المبلغ بجيبه, وتم مداهمته وضبط المبلغ بجيبه واصطحابه لمقر الرقابة الإدارية, وأنه قام بتمزيق الشيك الذي كان معه وتخلص منه. وساق الحكم على صحة الواقعة وإسنادها للطاعنين أدلة استقاها من أقوال عضوي.... وخبير .... ومديرة .... بوزارة ..... وما قرره المتهمون بالتحقيقات وما جاء بتقريري خبير الأصوات ومعامل وزارة الصحة وما أسفرت عنه معاينة الصفائح المتحفظ عليها. لما كان ذلك, وكانت المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية قد أوجبت في كل حكم بالإدانة أن يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بيانا تتحقق به أركان الجريمة التي دان الطاعنين بها والظروف التي وقعت فيها والأدلة التي استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها منهما, وكان يبين مما حصله الحكم فيما تقدم أنه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعنين بها وأورد على ثبوتها في حقهما أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها وجاء استعراضه لأدلة الدعوى على نحو يدل على أن المحكمة محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماما شاملا يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة, ومن ثم فإن منعي الطاعنين بأن الحكم شابه الغموض والإبهام وعدم الإلمام بواقعات الدعوى ومستنداتها لا محل له. لما كان ذلك, وكان البين من محاضر جلسات المحاكمة أن ما ورد على لسان المدافع عن الطاعنين من أنه يدفع ببطلان التسجيلات - فقد سيق في عبارة مرسلة مجهلة مما لا يعد دفعا جديا تلتزم المحكمة بالرد عليه, فضلا عن أن الحكم رغم ذلك عرض لما أثير وأطرحه بقوله: "وحيث إنه عن الدفع الذي أثاره الدفاع ببطلان التسجيلات فمردود عليه بأن الثابت من الأوراق أن هذه التسجيلات قد تمت بناء على إذن النيابة العامة وأن الإجراءات التي أتبعت في شأنها تتفق مع الشرعية الإجرائية ولا مطعن عليها ومن ثم فإن المحكمة ترتاح إليها وتطمئن إلى ما ورد فيها بما يتعين معه الالتفات عن هذا الدفع". ولما كان من المقرر أن طريقة تنفيذ الإذن الصادر من النيابة العامة موكولة إلى عضو الرقابة الإدارية المأذون له بإجراءات تسجيل المحادثات الشفوية والسلكية واللاسلكية والتصوير يجريها تحت رقابة محكمة الموضوع فله أن يستعين في تنفيذ ذلك بالفنيين ورجال الضبط القضائي وغيرهم بحيث يكونون تحت إشرافه - وهو الحال في الدعوى المطروحة على فرض صحة استعانة المأذون له بالغير تنفيذا للإذن, ومن ثم فإن ما أثاره الطاعنين في هذا الخصوص يكون غير قويم. لما كان ذلك, وكان البين من مطالعة محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعنين لم يثر أحدهما شيئا بخصوص أقوال المحكوم عليه الثالث بأنها صدرت عنه تحت تأثير إكراه كما لم يثر أمر بطلان أقوال الشهود بتحقيقات النيابة العامة لما لحق بهم من خوف ورهبة لتوجيه الاتهام لبعضهم فليس لأيا منهم أن يثر هذا الأمر لأول مرة أمام محكمة النقض. لما كان ذلك, وكان الحكم قد عرض لدفاع الطاعن الثاني في شأن اشتراكه في جريمة الرشوة ورد عليه في قوله: "وحيث إنه لما كان الثابت أن المتهم الثاني توجه إلى محل المتهم الثالث وطلب منه مبلغ ألفي جنيه في مقابل سحب أربعين صفيحة من الجبن المتحفظ عليه وأخذ المبلغ بالفعل كما طلب منه ضرورة مقابلة المتهم الأول في مساء نفس اليوم بالأمريكيين بـ ....وكان الثابت أيضا أن المتهم الثالث قد اصطحب المتهم الثاني بسيارته لمقابلة المتهم الأول بإمبابة بناء على اتفاق مسبق بين المتهمين الأول والثالث ولقاء الثلاثة معا في هذا المكان وقد دار الحوار بينهم حول مبلغ الرشوة المطلوب وكيفية قيام المتهم الثالث بسحب الجبن المتحفظ عليه لدى المتهم الثاني فهذا كله يؤكد اتفاق المتهم الثاني مع الأول ومساعدته إياه في ارتكابه لجريمة الرشوة المتوفرة في حقه الأمر الذي تلتفت معه المحكمة عما أثاره دفاع المتهم الثاني في هذا الشأن. وإذ كان الاشتراك بالاتفاق إنما يتحقق من اتحاد نية أطرافه على ارتكاب الفعل المتفق عليه وهذه النية أمر داخلي لا يقع تحت الحواس ولا تظهر بعلامات خارجية - وإذ كان القاضي الجنائي - فيما عدا الأحوال الاستثنائية التي قيده القانون فيها بنوع معين من الأدلة - حرا في أن يستمد عقيدته من أي مصدر شاء, فإن له إذا لم يقم على الاشتراك دليل مباشرة من الاعتراف أو شهادة شهود أو غيره, أن يستدل عليه بطريق الاستنتاج من القرائن التي تقوم لديه كما له أن يستنتج حصوله من فعل لا حق للجريمة يشهد به, وكان الحكم قد استدل على أن الطاعن الثاني - كان على اتفاق سابق مع الطاعن الأول على سحب صفائح الجبن غير الصالح للاستهلاك الآدمي واستبداله بجبن آخر غير معيب مقابل جعل نقدي معين تقاضى جزءا منه فعلا, ونفاذا لهذا الاتفاق قام المحكوم عليه الثالث بسحب أربعين صفيحة تلاها نفس العدد, ولما كان مجمل عدد الصفائح .....صفيحة ولعدم قدرة المحكوم عليه الثالث على دفع باقي المبالغ المطلوبة فقد اضطر إلى إبلاغ هيئة الرقابة الإدارية التي قامت بتسجيل لقاءات الطاعنين والمحكوم عليه الثالث, وكان ما أورده الحكم سائغا.
في المنطق ويتوفر به الاشتراك بطريقي الاتفاق والمساعدة في جريمة الرشوة على ما هو معرف به في القانون. لما كان ذلك, وكان إقرار الطاعن الثاني بالتحقيقات بأنه كان هناك اتفاق بين الطاعن الأول والمحكوم عليه الثالث يسمح بموجبه الأول للأخير بسحب كمية من صفائح الجبن المتحفظ عليها - وإن كان لا يعد اعترافا بالجريمة التي دين بها كما هي معرفة به قانونا, إلا أنه يؤكد اتفاقه مع المتهم الأول على سحب واستبدال صفائح متحفظ عليها بالثلاجة المنوط به العمل عليها, هذا ولم تخطئ المحكمة في تسمية هذا الإقرار اعترافا على نحو ما ذهب إليه بوجه طعنه - كما أن المحكمة لم ترتب عليه وحده الأثر القانوني للاعتراف وهو الاكتفاء به والحكم على الطاعن بغير سماع شهود, فإن النعي على الحكم في هذا الصدد يكون في غير محله, لما كان ذلك, وكان من المقرر أن طاعة الرئيس لا تمتد بأي حال إلى ارتكاب الجرائم وأنه ليس على مرؤوس أن يطيع الأمر الصادر له من رئيسه بارتكاب فعل يعلم هو أن القانون يعاقب عليه, وكان فعل الرشوة واشتراك الطاعن فيه الذي أسند إليه ودانته المحكمة به هو عمل غير مشروع ونية الإجرام فيه واضحة بما لا يشفع للطاعن فيما يدعيه بأنه مجبر على الانصياع لما يصدر من تعليمات وأوامر واجبة النفاذ, فمن ثم لا يجدي الطاعن الثاني ما أثاره في هذا الخصوص من أوجه نعي لا محل لها. لما كان ذلك, وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع الحق في أن تستخلص من جماع الأدلة والعناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى لم تقتنع بصحتها ما دام استخلاصا سائغا مستندا إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق, ولا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ أن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضا ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حده دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه, ولما كان الحكم لم يذهب في أي موضع منه إلى وجود شهادة رسمية بإعدام بعض الصفائح المتحفظ عليها على نحو ما ذهب إليه الطاعن بأسباب طعنه وخلا محضر جلسة المحاكمة من أية إشارة لتلك الشهادة أو ثمة منعى على ورقة الشيك التي مزقها الطاعن الأول عند اقتياده لمقر هيئة الرقابة الإدارية. وكان من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقديرها مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب. ومتى أخذت بأقوال الشهود فإن ذلك يفيد إطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها, ولما كان الحكم قد كشف عن اطمئنانه إلى أقوال أعضاء الرقابة الإدارية والشهود وإقرارات المتهمين واقتناعه بارتكاب الطاعنين للجرائم المسندة لكل منهما على الصورة التي شهدوا بها, وكان ما أورده سائغا في العقل ومقبولا في بيان كيفية اقتراف كل من الطاعنين للأفعال المسندة إليهما فلا تثريب على المحكمة فيما اقتنعت به من إمكان حدوثه على الصورة التي قررها الشهود والمتهمين والتي تأيدت بالتسجيلات والتقارير الفنية, فإن ما يثيره كل من الطاعنين من منازعة حول تصوير المحكمة للواقعة أو في تصديقها لأقوال الشهود أو محاولة تجريحها - على النحو الذي ذهب إليه الطاعنين بأسبابهما - ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها في شأنه أمام محكمة النقض. لما كان ذلك, وكان الحكم قد أوقع على الطاعن الثاني عقوبة واحدة عن جميع الجرائم المسندة إليه نظرا للارتباط تطبيقا للمادة 32/2 من قانون العقوبات وهي العقوبة المقررة للجريمة الأولى الأشد وهي الاشتراك في الرشوة التي ثبتت في حقه على نحو ما سلف فلا يجديه من بعد ما أثاره من مناعي على جريمة التبديد, لما كان ما تقدم, فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق