الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 29 نوفمبر 2016

عدم دستورية حرمان العاملين من تسوية المؤهل الحاصلين عليه قبل الالتحاق بالوظيفة

الطعن 214 لسنة 32 ق "دستورية" جلسة 1 / 10 / 2016
باسم الشعب 
المحكمة الدستورية العليا 
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الأول من أكتوبر سنة 2016م، الموافق التاسع والعشرين من ذي الحجة سنة 1437هـ
برئاسة السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق رئيس المحكمة 
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور حنفي علي جبالي ومحمد خيري طه النجار ورجب عبد الحكيم سليم ومحمود محمد غنيم وحاتم حمد بجاتو والدكتور محمد عماد النجار نواب رئيس المحكمة 
وحضور السيد المستشار الدكتور/ طارق عبد الجواد شبل رئيس هيئة المفوضين 
وحضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع أمين السر 
أصدرت الحكم الآتي 
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 214 لسنة 32 قضائية "دستورية"، بعد أن أحالت المحكمة الإدارية لوزارة النقل وملحقاتها بمجلس الدولة بحكمها الصادر بجلسة 24/1/2010 ملف الدعوى رقم 795 لسنة 51 قضائية.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق - في أن السيد/ ...... كان قد أقام الدعوى رقم 795 لسنة 51 قضائية أمام المحكمة الإدارية لوزارة النقل وملحقاتها بمجلس الدولة ضد الهيئة القومية للبريد، طالبا الحكم بأحقيته في تسوية حالته طبقا للمؤهل الأعلى الذي حصل عليه أثناء الخدمة، وذلك على سند من أنه التحق بالعمل بالهيئة بموجب عقد مؤقت في 6/1/1996 بمؤهل متوسط، وبتاريخ 29/4/1998 تم تعيينه على وظيفة دائمة، بذات درجته، وكان قد حصل على بكالوريوس التجارة من جامعة الأزهر عام 1997 إبان عمله بموجب العقد المؤقت، فتقدم للهيئة طالبا تسوية حالته بمؤهله العالي الذي حصل عليه، طبقا لنص المادة (25) مكررا من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978، فقوبل طلبه بالرفض على سند من نص المادة (19) من لائحة العاملين بالهيئة القومية للبريد الصادرة بقرار وزير النقل والمواصلات والنقل البحري رقم 70 لسنة 1982، فأقام دعواه رقم 795 لسنة 51 قضائية، أمام المحكمة الإدارية لوزارة النقل وملحقاتها بمجلس الدولة. وإذ تراءى لتلك المحكمة عدم دستورية نص المادة (19) من لائحة العاملين بالهيئة القومية للبريد الصادرة بقرار وزير النقل والمواصلات والنقل البحري رقم 70 لسنة 1982، فقد حكمت بجلسة 24/1/2010 بوقف الدعوى وإحالة أوراقها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية ذلك النص
وحيث إن المادة (19) من لائحة العاملين بالهيئة القومية للبريد الصادرة بقرار وزير النقل والمواصلات والنقل البحري رقم 70 لسنة 1982 تنص على أنه "في حالة حصول العامل أثناء الخدمة على مؤهل علمي أعلى يتناسب مع أعمال الهيئة واحتياجاتها يجوز تعيينه في وظيفة تتناسب مع مؤهله الجديد بشرط توافر متطلبات شغله لهذه الوظيفة مع استثنائه من شرطي الإعلان والامتحان اللازمين لشغل هذه الوظيفة
ويمنح العامل الذي يعين وفقا لأحكام الفقرة السابقة أول مربوط درجة الوظيفة المعين عليها وعلاوة من علاواتها أو مرتبه السابق مضافا إليه هذه العلاوة أيهما أكبر، وإن تجاوز نهاية درجة الوظيفة المعين عليها
.................". 
وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى، استنادا إلى أن حكم الإحالة قد أقام أسبابه على مخالفة نص المادة (19) من لائحة العاملين بالهيئة القومية للبريد الصادرة بقرار وزير النقل والمواصلات والنقل البحري رقم 70 لسنة 1982، تنص المادة (25) مكررا من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978، فمردود:- بأن الرقابة التي تباشرها هذه المحكمة على الشرعية الدستورية، لا شأن لها بالتعارض بين نصين قانونيين أيا كان موضعهما، وإنما مناطها الفصل فيما يدعى به من مخالفة النصوص القانونية - أيا كانت الجهة التي أقرتها أو أصدرتها - للدستور، ولما كانت المحكمة قد أبانت في حكم الإحالة النص المطلوب الفصل في دستوريته، وما اعتوره من مخالفات دستورية تمثلت في إهداره مبدأ المساواة المقرر دستوريا، ومن ثم يغدو الدفع المبدي من هيئة قضايا الدولة منهار الأساس جديرا بالالتفات عنه
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية - وهي شرط لقبولها - مناطها - وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع، ويستوي في شأن توافر المصلحة أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع أو عن طريق الإحالة، والمحكمة الدستورية العليا هي وحدها التي تتحرى توافر شرط المصلحة في الدعاوى الدستورية للتثبت من شروط قبولها، بما مؤداه أن الإحالة من محكمة الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا لا تفيد بذاتها توافر المصلحة، بل يتعين أن يكون الحكم في المطاعن الدستورية لازما للفصل في النزاع المثار أمام محكمة الموضوع، فإذا لم يكن للفصل في دستورية النصوص التي ثارت بشأنها شبهة عدم الدستورية لدى محكمة الموضوع انعكاس على النزاع الموضوعي، فإن الدعوى الدستورية تكون غير مقبولة، متى كان ذلك وكان النزاع الموضوعي ينصب على طلب المدعي في الدعوى الموضوعية تسوية حالته بالمؤهل العالي الذي حصل عليه إبان تعيينه بموجب عقد مؤقت بالهيئة القومية للبريد، وذلك بعد تعيينه على وظيفة دائمة بتلك الهيئة، وكان النص المحال هو الحاكم لموضوع النزاع، ويشترط لإعماله أن يكون العامل قد حصل على المؤهل الأعلى أثناء الخدمة، فإن المصلحة الشخصية والمباشرة في الدعوى المعروضة تكون متحققة، ويتحدد نطاقها بنص المادة (19) من لائحة العاملين بالهيئة القومية للبريد الصادرة بقرار وزير النقل والمواصلات والنقل البحري رقم 70 لسنة 1982، فيما تضمنه من قصر نطاق تطبيق أحكامه على العاملين بالهيئة الحاصلين أثناء الخدمة على مؤهل علمي أعلى دون العاملين بها الحاصلين على ذلك المؤهل قبل التحاقهم بالخدمة، ولم يتم معاملتهم به وظيفيا
وحيث إن الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ أن هذه الرقابة تستهدف أصلا صون الدستور القائم، وحمايته من الخروج على أحكامه التي تمثل دائما القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها الصدارة بين قواعد النظام العام الذي يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة، وكان النص المحال ما زال قائما ومعمولا بأحكامه، ومن ثم فإن حسم أمر دستوريته يتم في ضوء أحكام الدستور الحالي الصادر عام 2014
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن لكل حق أوضاعا يقتضيها، وآثارا يرتبها، من بينها - في مجال حق العمل - ضمان الشروط التي يكون أداء العمل في نطاقها منصفا، وإنسانيا ومواتيا، فلا تنتزع هذه الشروط قسرا من محيطها، ولا ترهق بفحواها بيئة العمل ذاتها، أو تناقض بأثرها ما ينبغي أن يرتبط حقا وعقلا بالشروط الضرورية لأداء العمل بصورة طبيعية لا تحامل فيها، ومن ثم لا يجوز أن تنفصل الشروط التي يتطلبها المشرع لمباشرة عمل أو أعمال بذواتها عن متطلبات ممارستها، وإلا كان تقريرها انحرافا بها عن غايتها، يستوي في ذلك أن يكون سندها علاقة عقدية أو رابطة لائحية
وحيث إن الدستور وإن خول السلطة التشريعية بنص المادتين (12، 13) منه تنظيم حق العمل، وكفالة حقوق العمال، إلا أنها لا يجوز لها أن تعطل جوهره، ولا أن تتخذ من حمايتها للعامل موطنا لإهدار حقوق يملكها، وعلى الأخص تلك التي تتصل بالأوضاع التي ينبغي أن يمارس العمل فيها، وإلا كان ذلك عدوانا منها على حقوق العامل، وإخلالا بأحد التزاماتها الجوهرية التي لا يجوز التسامح فيها، ونكولاً عن الحدود المنطقية التي ينبغي - وفقا للدستور - أن تكون إطارا لحق العمل، واستثارا بتنظيم هذا الحق للحد من مداه
وحيث إن الأصل أن يكون لكل وظيفة حقوقها وواجباتها، فلا تقابل مزاياها بغير مسئولياتها، ولا يكون وصفها وترتيبها منفصلا عن متطلباتها التي تكفل للمرافق التي يديرها عمالها حيويتها واطراد تقدمها، وقابلية تنظيماتها للتعديل وفق أسس علمية قوامها التخطيط المرن وحرية التقدير، فلا تتعثر أعمالها أو تفقد اتصالها ببعض أو تترجها فيما بينها، وشرط ذلك إعداد عمالها علميا وفنيا، فلا يلي شئونها غير القادرين حقا على تصريفها، سواء أكان عملهم ذهنيا أم مهنيا أم يدويا
وحيث إن ما تقدم مؤداه. أن لكل وظيفة تبعاتها، فلا يشغلها إلا من يستحقها على ضوء طبيعة الأعمال التي تدخل فيها، وغاياتها، والمهارة المطلوبة فيها، والمؤهل العلمي والخبرة اللازمة لها، ولا يجوز بالتالي أن يكون التعيين في وظيفة بذاتها أو الترقية منها إلى ما يعلوها، عملا آليا يفتقر إلى الأسس الموضوعية، أو منفصلا عن عوامل الخبرة والجدارة التي يتم على ضوئها اختيار من يتولاها، ولا مجرد تطبيق جامد لمقاييس صماء لا تأخذ في اعتبارها خصائص كل وظيفة ومكانتها، والحد الأدنى للتأهيل لها، وغير ذلك من مقوماتها الموضوعية المحددة تحديدا دقيقا، وعلى تقدير أن تقويم الوظيفة إنما يرتبط بأهميتها الحقيقية
وحيث إن الأصل في الأقدمية الوظيفية أن تكون معبرة عن مدة خدمة فعلية قضاها العامل قائما بأعباء عمله أو وظيفته، وهي بذلك لا تفترض، ولا يجوز حسابها على غير حقيقتها سواء بزيادتها أو إنقاصها، كما أن شروط الترقية إلى الوظائف، وبخاصة الوظائف الفنية أو العليا يجب أن تعبر عن الانحياز إلى الأصلح والأكثر عطاء، حتى لا يعهد بأعمال هذه الوظائف لغير من يؤدونها بحقها، فلا يكونون عبئا عليها يقيدها أو يضعفها، بل يثرونها من خلال خبرة سابقة وجهد خلاق يتفاعل مع مسئولياتها
وحيث إن الدستور في المادة (14) منه جعل الوظيفة العامة حقا لكل مواطن، واعتبرها في الوقت ذاته تكليفا للقائمين بها لخدمة الشعب ورعاية مصالحه، لذلك كان التطوير الدائم لها ولشاغليها، ورفع كفاءتهم العلمية والعملية التزاما قانونيا على الدولة، وواجبا على الموظف، ليغدو التمكين له والتحفيز عليه أحد وسائل الدولة في الوفاء بهذا الالتزام، وفي هذا الإطار أقر المشرع النص المحال، فأجاز تعيين العاملين الحاصلين على مؤهلات أعلى أثناء الخدمة في وظيفة تتناسب مع مؤهلهم وتتوافر لهم متطلبات شغلها، وجعل ذلك من قبيل الملاءمات التي تتمتع بها الجهة الإدارية، وكانت غايته من ذلك هو تشجيع هذه الفئة من العاملين على التزود بالعلم، بما يحقق التطوير في قدراتهم الذهنية والفنية وتنمية مهاراتهم ومواهبهم، وهو ما تعود ثماره على الوظيفة والموظف والمجتمع، ويضمن تحقيق أهداف التعليم التي رصدتها المادة (19) من الدستور وألزمت الدولة بالسعي لتحقيقها، وهذه الغايات جميعها يناقضها ما قرره النص المحال من حجب الميزات التي أتى بها، عن فئة من العاملين الحاصلين على مؤهلات أعلى من تلك التي تتطلبها الوظيفة التي يشغلونها، وذلك قبل الالتحاق بها، ويسعون حثيثا لتحسين أوضاعهم الوظيفية بالالتحاق بالوظائف التي تتناسب مع مؤهلهم الأعلى متى توافرت في شأنهم كافة متطلبات شغلها، كما يناهض تلك الغايات ما قرره النص المحال أيضا من غل يد الجهة الإدارية في تعيين تلك الفئة وفقا لأحكام هذا النص، دون مقتض أو مبرر منطقي، وهو ما يعد انتقاصا من حق العمل الذي كفلته المادة (12) من الدستور، في أحد جوانبه، ويتصادم مع الأسس الدستورية الحاكمة للوظيفة العامة، وأخصها اعتبار الكفاءة والجدارة أساسا لشغلها، لتبقى الوظيفة والموظف دوما قادرين على أداء دورهما في خدمة الشعب والمجتمع ورعاية مصالحه، ومن ثم يكون النص المحال فيما تضمنه من حرمان تلك الفئة من هذا الحق قد وقع مخالفا لنصوص المواد (12، 13، 14، 19) من الدستور
وحيث إن المسلك الذي انتهجه المشرع بالنص المحال، باعتباره الوسيلة التي اختارها لتحقيق الغايات المتقدمة، وقد تضمن حرمان فئة من العاملين بالجهة ذاتها من معاملتهم بالمؤهل الأعلى الحاصلين عليه قبل الالتحاق بالوظيفة، وتسوية أوضاعهم الوظيفية ارتكانا إليه، أسوة بأقرانهم ممن حصلوا على المؤهل الأعلى أثناء الخدمة ويفيدون من أحكام هذا النص، رغم تكافؤ مراكزهم القانونية من حيث كونهم جميعا من العاملين بالجهة ذاتها، يكون غير متصل اتصالا منطقيا بالأهداف والغايات التي يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم، ومتضمنا - من ثم - تمييزا بين هاتين الفئتين من العاملين غير مستند إلى أسس موضوعية تبرره، ومناهضا - من ثم - لمبادئ المساواة وتكافؤ الفرص والعدالة التي كفلتها المواد (4، 9، 53) من الدستور، باعتبارها أساسا لبناء المجتمع وصون وحدته الوطنية، وحقا شخصيا لكل مواطن، تلتزم الدولة بكفالته والتمكين له، مما يتعين معه القضاء بعدم دستورية هذا النص في حدود النطاق المتقدم
فلهذه الأسباب 
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة (19) من لائحة العاملين بالهيئة القومية للبريد الصادرة بقرار وزير النقل والمواصلات والنقل البحري رقم 70 لسنة 1982، فيما تضمنه من قصر نطاق تطبيق أحكامه على العاملين بالهيئة الذين يحصلون أثناء الخدمة على مؤهل علمي أعلى دون العاملين بها الحاصلين على ذلك المؤهل قبل التحاقهم بالخدمة، ولم يتم معاملتهم به وظيفيا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق