الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 3 ديسمبر 2017

الطعن 4145 لسنة 59 ق جلسة 10 / 1 / 1990 مكتب فني 41 ق 10 ص 78

برئاسة السيد المستشار / إبراهيم حسين رضوان نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين / ناجي اسحق، وفتحي خليفة نائبي رئيس المحكمة، وعلي الصادق، وإبراهيم عبد المطلب.
---------------
- 1  دفاع " الإخلال بحق الدفاع - ما لا يوفره". وصف التهمة.
للمحكمة تعديل تفصيلات التهمة التي هدفها إلمام المتهم بموضوع الاتهام ككيفية ارتكابه الجريمة دون لفت نظر الدفاع مادامت لم تخرج عن نطاق الواقعة التي تضمنها أمر الإحالة . التعديل المحظور هو الذي يقع على الأفعال المؤسسة عليها التهمة.
من المقرر إنه ولئن كان لا يجوز للمحكمة أن تغير في التهمة بأن تسند إلى المتهم أفعالاً غير التي رفعت بها الدعوى عليه، إلا أن التغيير المحظور هو الذي يقع في الأفعال المؤسسة عليها التهمة، أما التفصيلات التي يكون الغرض من ذكرها في بيان التهمة هو أن يلم المتهم بموضوع الاتهام ككيفية ارتكاب الجريمة، فإن للمحكمة أن تردها إلى صورتها الصحيحة ما دامت فيما تجريه لا تخرج عن نطاق الواقعة ذاتها التي تضمنها أمر الإحالة والتي كانت مطروحة على بساط البحث، فإنه لا يعيب الحكم المطعون فيه أن يسند إلى الطاعن أنه ضرب المجني عليه بآلة راضة - قطعة حديد - أسفل الوجه وإلى اليسار من الأمام والتي نشأت عنها الإصابات التي أدت إلى وفاته خلافاً لما ورد بأمر الإحالة من أنه ضرب المجني عليه على عنقه وخنقه، مادام الحكم لم يتناول التهمة التي رفعت بها الدعوى، بالتعديل وهي تهمة القتل العمد بقصد ارتكاب جنحة سرقة، ولما هو مقرر من أنه يحق للمحكمة أن تستخلص الصورة الصحيحة التي وقع بها الحادث من كافة ظروف الدعوى وأدلتها المطروحة والتي دارت عليها المرافعة، إذ أن الطاعن لم يسأل في النتيجة وبغض النظر عن الوسيلة إلا عن الجريمة التي رفعت بها الدعوى والتي دانه الحكم بها، ومن ثم فإن المحكمة لا تلزم بلفت نظر الدفاع إلى مثل التعديل الذي تم في الدعوى الراهنة، ويكون ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه في هذا الخصوص لا محل له.
- 2  إثبات " خبرة". حكم " تسبيب الحكم - التسبيب غير المعيب".
كفاية أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضا يستعصي علي الملاءمة والتوفيق. مثال في جريمة قتل عمد.
لما كان الأصل أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني، بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي كما أخذت به المحكمة غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق، وكان مؤدى ما حصله الحكم من مؤدى أقوال الشاهدين الأول والثاني من أن الطاعن ضرب المجني عليه بقطعة من الحديد على رقبته ضربة واحدة، لا يتعارض مع ما نقله الحكم من تقرير الصفة التشريحية ومؤدى شهادة الطبيب الشرعي بجلسة المحاكمة، من أن المجني عليه وجد مصاباً بجرح رضي يقع باتجاه شبه رأسي بأسفل ويسار الشفة العليا يحس أسفلها بكسور بالفكين ووجدت في منطقة هذا الجرح انسكابات دموية تتخلل منطقة مقدم الوجه وحول الفكين وكسور ثقبيه ومجتمعة في موضع واحد بشكل رأسي بالفك السفلي وعلى امتداد ذلك الكسر كسراً مماثلاً بالفك السفلي، كذلك أوري تشريح العنق بوجود آثار لخلع جانبي بالفقرة العنقية الرابعة حوله أثر لانسكابات دموية، وأن هذه الإصابة حدثت من ضربة مباشرة من الأمام أسفل ويسار الوجه بجسم صلب راض أياً كان نوعه كقطعة الحديد أو ما شابه، وإذ كان من المعلوم أن موضع الرقبة من الجسم إنما يقع أسفل الوجه، وأن تقرير الصفة التشريحية - كما حصله الحكم - لم يتحدث عن حصول عدة ضربات في موضع إصابة المجني عليه، فإن ما يثيره الطاعن من دعوى التناقض بين الدليلين القولي والفني يكون غير سديد.
- 3  إثبات " شهود". حكم " تسبيب الحكم - التسبيب غير المعيب".
تحصيل الحكم من أقوال الشاهد بما له معينه الصحيح من الأوراق النعي عليه بالخطأ في الإسناد في هذا الصدد غير مقبول . مثال.
لما كان يبين من المفردات المضمومة - إن ما حصله الحكم من أقوال الشاهد الأول - ......... - من أن الطاعن ضرب المجني عليه بقطعة حديد ضربة واحدة على رقبته - له معينة الصحيح من الأوراق -، فإن دعوى الخطأ في الإسناد في هذا الصدد لا تكون مقبولة.
- 4  إثبات " شهود".
لمحكمة الموضوع تجزئة أقوال الشاهد والأخذ بما تطمئن إليه منها وإطراح ما عداه. علة ذلك؟ عدم التزامها بان تورد من أقوال الشهود إلا ما تقيم عليه قضاءها. إغفال المحكمة من رواية قوله أن الطاعن أعقب ضربه للمجني عليه على رقبته بخنقه بواسطة شال: لا عيب مادامت لم تعتمد في قضائها على تلك الواقعة.
لما كان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تجزئ أقوال الشاهد فتأخذ منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه لتعلق ذلك بسلطتها في تقدير أدلة الدعوى، وهي في ذلك غير ملزمة بأن تورد من أقوال الشهود إلا ما تقيم قضاءها عليه، فإنه لا على المحكمة إن هي أغفلت من رواية الشاهد - ...... - قوله أن الطاعن أعقب ضربه للمجني عليه على رقبته بخنقه بواسطة شال، مادامت لم تعتمد في قضائها على تلك الواقعة ولم تسندها إلى الطاعن، وبالتالي فلم تكن في حاجة إلى تحقيق واقعة خنق المجني عليه وأقوال الشاهد في خصوصها والظروف التي أحاطت بها.
- 5  إثبات " خبرة".
حق محكمة الموضوع في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير والفصل فيما يوجه إليه من اعتراضات عدم التزامها باستدعاء كبير الأطباء الشرعيين لمناقشته ـ ما دامت الواقعة قد وضحت لديها أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج.
من المقرر إن لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليها والفصل فيما يوجه إليه من اعتراضات، ولا تلتزم باستدعاء كبير الأطباء الشرعيين لمناقشته مادام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها حاجة إلى اتخاذ هذا الإجراء أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج في الدعوى، ولما كانت المحكمة قد اطمأنت إلى صورة الواقعة حسبما استخلصته من تقرير الصفة التشريحية وشهادة الطبيب الشرعي بجلسة المحاكمة، فإن النعي على الحكم بدعوى الإخلال بحق الدفاع يضحى غير سديد.
- 6  حكم " تسبيب الحكم - التسبيب غير المعيب". قتل " قتل عمد".
قصد القتل أمر خفي. لا يدرك بالحس الظاهر بل بالظروف المحيطة بالدعوي والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه استخلاص نية القتل موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية . مثال لاستخلاص سائغ لتوافر نية القتل.
لما كان الحكم قد استظهر نية القتل في حق الطاعن في قوله "وحيث إنه عن نية القتل فهي متوافرة في حق المتهم، وذلك أن الثابت من الأوراق أن المتهم حين التقى بالمجني عليه في منزل الشاهد الأول، طالبه بدينه فلما أستمهله الأداء، وكان قد تكرر ذلك منه، راودته في الحال فكرة قتله انتقاما منه لرفضه المتكرر أداء دينه إليه وليسرق ما معه من نقود كان قد أحضرها لشراء الأقمشة المزعومة منه، فضربه بقطعة من الحديد وهي آلة تحدث القتل في مكان قاتل من جسمه على نحو ما ثبت بتقرير الصفة التشريحية فأجهز عليه في الحال"، وكان من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر، وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، واستخلاص هذا القصد من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية، وكان ما أورده الحكم - على السياق المتقدم - يعد كافياً وسائغاً في استظهار نية القتل وتوافرها في حق الطاعن.
- 7  حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل". قتل " قتل عمد".
عقيدة المحكمة قيامها على المعاني لا على الألفاظ والمباني مثال لنعي غير سديد على الحكم بدعوى الفساد في الاستدلال. في جرمية قتل عمد.
لما كان يبين من المفردات المضمومة، أن ما أورده الحكم - في مقام التدليل على نية القتل - من أن الطاعن راودته فكرة قتل المجني عليه وقت أن طالب الأخير بأداء دينه فاستمهله الأداء، انتقاما منه لرفضه المتكرر أداء ذلك الدين - له أصله الثابت في الأوراق -، إذ قرر الشاهد الأول - .... - بالتحقيقات إن الطاعن كان دائناً للمجني عليه بمبلغ من المال، وأن الأخير كان يماطله في السداد، وكانت عبارة المماطلة في أداء الدين إنما تحمل في معناها الرفض المتكرر لأداء الدين، كما أن هذه العبارة الأخيرة ما هي إلا ترديد لما ساقه الحكم من قبل في معرض بيانه واقعة الدعوى، إذ أورد - في مدوناته - أن الطاعن ضرب المجني عليه قاصداً قتله جزاء مماطلته في أداء دينه، وكان من المقرر أن عقيدة المحكمة إنما تقوم على المعاني لا على الألفاظ والمباني، فإن النعي على الحكم بدعوى الفساد في الاستدلال - في هذا الخصوص - يكون غير سديد.
- 8  حكم " تسبيب الحكم - التسبيب غير المعيب ". قتل " قتل عمد". نقض " أسباب الطعن - ما لا يقبل من الأسباب".
الجدل الموضوعي في سلطة محكمة الموضوع في استخلاص قصد القتل . عدم جواز إثارته أمام محكمة النقض . مثال.
لما كان ما أورده الحكم - في مقام التدليل على نية القتل - كافياً لحمل قضائه - على النحو المار بيانه -، فإن ما يثيره الطاعن من أن استخلاص الحكم من تكرار رفض المجني عليه أداء دين الطاعن، دليلاً على توافر نية القتل، لا يؤدي إلى ما رتبه عليه الحكم من توافر هذه النية في حقه، لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في استخلاص قصد القتل من عناصر الدعوى، مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
- 9  حكم " تسبيب الحكم - التسبيب غير المعيب". قتل "قتل عمد".
إثبات الحكم ما مؤداه أن ضرب الطاعن للمجني عليه كان في موضع الرقبة من الجسم بما له معينه الصحيح من الأوراق النعي عليه في هذا الصدد لا محل له إصابة المجني عليه في غير مقتل لا تنفي توفر نية القتل.
لما كان ما أورده الحكم من أن الضربة التي أنزلها الطاعن بالمجني عليه، كانت أسفل الوجه وإلى اليسار من الأمام، يعني أن الضرب كان في موضع الرقبة من الجسم - وهو ما أثبته الحكم في مدوناته بما له معينه الصحيح في الأوراق -، وكانت إصابات المجني عليه في هذا الموضع من الجسم تعد في مقتل، فضلاً عن أنه من المقرر أن إصابة المجني عليه في غير مقتل لا تنتفي معه قانوناً توفر نية القتل، فإن النعي على الحكم في هذا الصدد لا يكون له محل.
- 10  حكم " تسبيب الحكم - التسبيب غير المعيب". قتل " قتل عمد".
استخلاص الحكم أن الطاعن قد أجهز علي المجني عليه وقت الضرب لا يعيبه وان خلت الأوراق مما ينفي حدوث الوفاة في ذلك التوقيت.
لما كان يبين من المفردات، أن الأوراق وإن خلت مما ينفي حدوث وفاة المجني عليه عقب اعتداء الطاعن عليه بالضرب بقطعة الحديد في رقبته، فإنه لا يعيب الحكم استخلاصه من الأوراق، أن الطاعن وقت أن ضرب المجني عليه - على النحو المار بيانه - قد أجهز عليه في الحال، ويضحى النعي على الحكم بدعوى الفساد في الاستدلال غير سديد.
--------------
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه قتل ....... عمدا بأن ضربه بآلة راضة "قطعة حديد" فوق عنقه وأطبق بشال من الصوف على رقبته قاصدا من ذلك قتله فحدثت به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته وقد كان القصد من ذلك ارتكاب جنحة سرقة المبلغ النقدي المبين بالتحقيقات المملوك للمجني عليه سالف الذكر وأحالته إلى محكمة جنايات سوهاج لمعاقبته طبقا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة والمحكمة المذكورة قضت حضوريا ...... عملا بالمادة 234/1، 3 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة عاما عما أسند إليه. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ.

------------

المحكمة
من حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه إنه إذ دانه بجريمة القتل العمد بقصد ارتكاب جنحة سرقة, قد شابه القصور والتناقض في التسبيب والفساد في الاستدلال والخطأ في الإسناد والإخلال بحق الدفاع. ذلك بأن المحكمة عدلت وصف التهمة الوارد بأمر الإحالة, بأن استبعدت الأفعال المادية المبينة به وهي ضرب المجني عليه على عنقه وخنقه وأضافت بدلا منها أفعالا جديدة أسندتها إلى الطاعن وهي ضرب المجني عليه بآلة راضة - قطعة حديد - أسفل الوجه وإلى اليسار من الأمام والتي نشأت عنها الإصابات التي أدت إلى وفاته, ودون أن تلفت نظر الدفاع إلى هذا التعديل، وأورد الحكم في معرض بيانه واقعة الدعوى, وإيراد أقوال الشاهدين - ...... والرائد....... - صورا متعارضة للأفعال المادية التي قارفها الطاعن, إذ حصل واقعة الدعوى وأقوال الشاهد الأول بما مؤداه أن الطاعن ضرب المجني عليه على رقبته ضربة واحدة أسلم بعدها الروح, وحصل أقوال الشاهد الثاني بأن الطاعن ضرب المجني عليه بقطعة من الحديد على رقبته ثم قام بخنقه بشال من الصوف فأسلم الروح, مما ينبئ عن اختلال فكرة الحكم عن واقعة الدعوى, كما استند الحكم في الإدانة إلى أقوال هذين الشاهدين رغم ما بينها من تناقض في بيان الأفعال المادية التي ارتكبها الطاعن - على النحو المار بيانه, وإن ما حصله الحكم من مؤدى الدليل القولي من أن الطاعن ضرب المجني عليه ضربة واحدة على رقبته يتناقض مع ما أورده من مؤدى شهادة الطبيب الشرعي بجلسة المحاكمة من أن إصابات المجني عليه عبارة عن كسور بالوجه والفكين وخلع الفقرة العنقية الرابعة وأن إصابة الفكين لا تحدث إلا من ضربة مباشرة بجسم صلب راض, ويتحقق هذا التناقض في أمرين هما موضع الإصابات من جسد المجني عليه وعدد الضربات، إذ أن مؤدى الدليل القولي أن - الإصابة لا تحدث إلا في الرقبة من ضربة واحدة، في حين أن الدليل الفني - كما عول عليه الحكم من شهادة الطبيب الشرعي - أن الإصابة بالوجه وأن الاعتداء على المجني عليه كان بأكثر من ضربة, وعول الحكم - ضمن ما عول عليه - على تقرير الصفة التشريحية دون أن يورد مضمونه, وحصل أقوال الشاهد - ........ - بما مؤداه أن المتهم ضرب المجني عليه بقطعة حديد ضربة واحدة على رقبته, وهو ما يخالف الثابت بأقوال الشاهد بالتحقيقات من أن المتهم ضرب المجني عليه بتلك الأداة ضربة واحدة على عنقه وليس على رقبته وأعقب ذلك بخنقه بواسطة شال أطبق به على رقبته مما أدى إلى وفاته, كما اجتزأ أقوال هذا الشاهد فلم يحصل منها ما شهد به في خصوص قيام المتهم بخنق المجني عليه - على النحو المار ذكره - وكان لذلك أثره في عقيدة المحكمة, إذ أغفلت دفاع الطاعن من أن التقرير الطبي الشرعي وما شهد به الطبيب الشرعي قد خلا كلاهما من بيان حصول اعتداء على عنق المجني عليه وخنقه, ولم تجبه إلى طلب ندب كبير الأطباء الشرعيين لتحقيق هذا الدفاع, وما أثاره أيضا من دفاع آخر في شأن الخلاف القائم بين أقوال الشاهد - ..... - من حصول خنق المجني عليه بواسطة شال من الصوف, وما ثبت من محضر جمع الاستدلالات من وجود جلباب حريمي حول رقبة المجني عليه - وقد حصل الحكم ذلك الدفاع في مدوناته ولم يعرض له بالرد - وأورد الحكم - في مقام التدليل على نية القتل وثبوت توافرها في حق الطاعن - إن الطاعن كان يطالب المجني عليه بدين له, فطلب منه الأخير منحة أجلا للسداد، وكان قد تكرر ذلك منه, فراودت الطاعن فكرة قتله انتقاما منه لرفضه المتكرر أداء الدين - في حين أن الأوراق قد خلت من القول بتكرار المجني عليه رفض سداد ذلك الدين, وليس من شأن ما استخلصه الحكم - في هذه الخصوصية - ما يؤدي إلى توافر نية إزهاق الروح, كما أن استدلال الحكم - في هذا المقام - من أن الطاعن ضرب المجني عليه في مكان قاتل من جسمه فأجهز عليه في الحال, لا يتفق مع فكرة اعتناق الحكم أن الضرب وقع على وجه المجني عليه, لأن هذا الموضع من الجسد لا يعد في مقتل، وأن قالة الحكم بأن الضربة التي أنزلها الطاعن بالمجني عليه أجهزت عليه في الحال - لا أصل لها في الأوراق - فضلا عن أن الحكم لم يستظهر وجود خصومة أو ضغينة بين الطاعن والمجني عليه يستدل منها على نية القتل, كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة القتل العمد بقصد ارتكاب جنحة سرقة التي دان الطاعن بها, وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة مستمدة من أقوال الشهود وتقرير الصفة التشريحية، ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك, وكان من المقرر إنه ولئن كان لا يجوز للمحكمة أن تغير في التهمة بأن تسند إلى المتهم أفعالا غير التي رفعت بها الدعوى عليه, إلا أن التغيير المحظور هو الذي يقع في الأفعال المؤسسة عليها التهمة, أما التفصيلات التي يكون الغرض من ذكرها في بيان التهمة هو أن يلم المتهم بموضوع الاتهام ككيفية ارتكاب الجريمة فإن للمحكمة أن تردها إلى صورتها الصحيحة ما دامت فيما تجريه لا تخرج عن نطاق الواقعة ذاتها التي تضمنها أمر الإحالة والتي كانت مطروحة على بساط البحث, فإنه لا يعيب الحكم المطعون فيه أن يسند إلى الطاعن أنه ضرب المجني عليه بآلة راضة - قطعة حديد - أسفل الوجه وإلى اليسار من الأمام والتي نشأت عنها الإصابات التي أدت إلى وفاته، خلافا لما ورد بأمر الإحالة من أنه ضرب المجني عليه على عنقه وخنقه، ما دام الحكم لم يتناول التهمة التي رفعت بها الدعوى, بالتعديل وهي تهمة القتل العمد بقصد ارتكاب جنحة سرقة, ولما هو مقرر من أنه يحق للمحكمة أن تستخلص الصورة الصحيحة التي وقع بها الحادث من كافة ظروف الدعوى وأدلتها المطروحة والتي دارت عليها المرافعة، إذ أن الطاعن لم يسأل في النتيجة وبغض النظر عن الوسيلة إلا عن الجريمة التي رفعت بها الدعوى والتي دانه الحكم بها, ومن ثم فإن المحكمة لا تلزم بلفت نظر الدفاع إلى مثل التعديل الذي تم في الدعوى الراهنة, ويكون ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه في هذا الخصوص لا محل له. لما كان ذلك, وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه حصل واقعة الدعوى وأقوال الشاهدين - .... والرائد...... كما هي قائمة في الأوراق, ثم أورد في مدوناته تحديد الأفعال المادية التي أتاها الطاعن وموضع الإصابات بجسم المجني عليه أخذا بما اقتنع به من تقرير الصفة التشريحية وشهادة الطبيب الشرعي بجلسة المحاكمة - بما ينفي قيام التناقض بين صورة الواقعة كما استخلصتها المحكمة من أوراق الدعوى, وأقوال الشاهدين الأول والثاني - المار ذكرهما - لما كان ذلك, وكان الأصل أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني, بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي كما أخذت به المحكمة غير متناقض مع الدليل الفني تناقضا يستعصي على الملاءمة والتوفيق, وكان مؤدى ما حصله الحكم من مؤدى أقوال الشاهدين الأول والثاني من أن الطاعن ضرب المجني عليه بقطعة من الحديد على رقبته ضربة واحدة, لا يتعارض مع ما نقله الحكم من تقرير الصفة التشريحية ومؤدى شهادة الطبيب الشرعي بجلسة المحاكمة, من أن المجني عليه وجد مصابا بجرح رضي يقع باتجاه شبه رأسي بأسفل ويسار الشفة العليا يحس أسفلها بكسور بالفكين ووجدت في منطقة هذا الجرح انسكابات دموية تتخلل منطقة مقدم الوجه وحول الفكين وكسور ثقبيه ومجتمعة في موضع واحد بشكل رأسي بالفك السفلي وعلى امتداد ذلك الكسر كسرا مماثلا بالفك السفلي, كذلك أورى تشريح العنق بوجود أثار لخلع جانبي بالفقرة العنقية الرابعة حوله أثر لانسكابات دموية, وأن هذه الإصابة حدثت من ضربة مباشرة من الأمام أسفل ويسار الوجه بجسم صلب راض أيا كان نوعه كقطعة الحديد أو ما شابه، وإذ كان من المعلوم أن موضع الرقبة من الجسم إنما يقع أسفل الوجه, وأن تقرير الصفة التشريحية - كما حصله الحكم - لم يتحدث عن حصول عدة ضربات في موضع إصابة المجني عليه, فإن ما يثيره الطاعن من دعوى التناقض بين الدليلين القولي والفني يكون غير سديد. لما كان ذلك, وكان الحكم المطعون فيه قد أورد مضمون تقرير الصفة التشريحية في معرض بيانه واقعة الدعوى - خلافا لما يدعيه الطاعن بأسباب طعنه - فإنه لا محل لما يثيره في هذا الصدد. لما كان ذلك, وكان يبين من المفردات المضمومة - إن ما حصله الحكم من أقوال الشاهد الأول -.........- من أن الطاعن ضرب المجني عليه بقطعة حديد ضربة واحدة على رقبته - له معينه الصحيح من الأوراق - فإن دعوى الخطأ في الإسناد في هذا الصدد لا تكون مقبولة, لما كان ذلك, وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تجزئ أقوال الشاهد فتأخذ منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه لتعلق ذلك بسلطتها في تقدير أدلة الدعوى, وهي في ذلك غير ملزمة بأن تورد من أقوال الشهود إلا ما تقيم قضاءها عليه, فإنه لا على المحكمة إن هي أغفلت من رواية الشاهد -...........- قوله أن الطاعن أعقب ضربه للمجني عليه على رقبته بخنقه بواسطة شال, ما دامت لم تعتمد في قضائها على تلك الواقعة ولم تسندها إلى الطاعن, وبالتالي فلم تكن في حاجة إلى تحقيق واقعة خنق المجني عليه وأقوال الشاهد في خصوصها والظروف التي أحاطت بها, هذا فضلا عن أن الحكم المطعون فيه قد أطرح طلب الدفاع عن الطاعن ندب كبير الأطباء الشرعيين بالقاهرة خبيرا في الدعوى استنادا إلى ما أفصحت عنه المحكمة من وضوح صورة الواقعة لديها من شهادة الطبيب الشرعي بجلسة المحاكمة, وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليها والفصل فيما يوجه إليه من اعتراضات، ولا تلتزم باستدعاء كبير الأطباء الشرعيين لمناقشته ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها حاجة إلى اتخاذ هذا الإجراء أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج في الدعوى، ولما كانت المحكمة قد اطمأنت إلى صورة الواقعة حسبما استخلصته من تقرير الصفة التشريحية وشهادة الطبيب الشرعي بجلسة المحاكمة، فإن النعي على الحكم بدعوى الإخلال بحق الدفاع يضحى غير سديد، لما كان ذلك، وكان الحكم قد استظهر نية القتل في حق الطاعن في قوله "وحيث أنه عن نية القتل فهي متوافرة في حق المتهم, وذلك أن الثابت من الأوراق أن المتهم حين التقى بالمجني عليه في منزل الشاهد الأول, طالبه بدينه فلما استمهله الأداء, وكان قد تكرر ذلك منه, راودته في الحال فكرة قتله انتقاما منه لرفضه المتكرر أداء دينه إليه وليسرق ما معه من نقود كان قد احضرها لشراء الأقمشة المزعومة منه, فضربه بقطعة من الحديد وهي آلة تحدث القتل في مكان قاتل من جسمه على نحو ما ثبت بتقرير الصفة التشريحية فأجهز عليه في الحال", وكان من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر, وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه, واستخلاص هذا القصد من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية, وكان ما أورده الحكم - على السياق المتقدم - يعد كافيا وسائغا في استظهار نية القتل وتوافرها في حق الطاعن, وكان يبين من المفردات المضمومة، ما أورده الحكم - في مقام التدليل على نية القتل - من إن الطاعن راودته فكرة قتل المجني عليه وقت أن طالب الأخير بأداء دينه فاستمهله الأداء, انتقاما منه لرفضه المتكرر أداء ذلك الدين - له أصله الثابت في الأوراق - إذ قرر الشاهد الأول -..........- بالتحقيقات أن الطاعن كان دائنا للمجني عليه بمبلغ من المال, وأن الأخير كان يماطله في السداد وكانت عبارة المماطلة في أداء الدين إنما تحمل في معناها الرفض المتكرر لأداء الدين, كما أن هذه العبارة الأخيرة ما هي إلا ترديد لما ساقه الحكم من قبل في معرض بيانه واقعة الدعوى, إذ أورد في مدوناته - أن الطاعن المجني عليه قاصدا قتله جزاء مماطلته في أداء دينه, وكان من المقرر أن عقيدة المحكمة إنما تقوم على المعاني لا على الألفاظ والمباني, فإن النعي على الحكم بدعوى الفساد في الاستدلال - في هذا الخصوص - يكون غير سديد. لما كان ذلك, وكان ما أورده الحكم - في مقام التدليل على نية القتل كافيا لحمل قضائه - على النحو المار بيانه - فإن ما يثيره الطاعن من أن استخلاص الحكم من تكرار رفض المجني عليه أداء دين الطاعن، دليلا على توافر نية القتل لا يؤدي إلى ما رتبه عليه الحكم من توافر هذه النية في حقه، لا يعدو أن يكون جدلا موضوعيا في سلطة محكمة الموضوع في استخلاص قصد القتل من عناصر الدعوى، مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك, وكان ما أورده الحكم من أن الضربة التي أنزلها الطاعن بالمجني عليه، كانت أسفل الوجه وإلى اليسار من الأمام, يعني أن الضرب كان في موضع الرقبة من الجسم - وهو ما أثبته الحكم في مدوناته بما له معينه الصحيح في الأوراق - وكانت إصابات المجني عليه في هذا الموضع من الجسم تعد في مقتل، فضلا عن أنه من المقرر أن إصابة المجني عليه في غير مقتل لا تنتفي معه قانونا توفر نية القتل, فإن النعي على الحكم في هذا الصدد لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان يبين من المفردات أن الأوراق وإن خلت مما ينفي حدوث وفاة المجني عليه عقب اعتداء الطاعن عليه بالضرب بقطعة الحديد في رقبته، فإنه لا يعيب الحكم استخلاصه من الأوراق، أن الطاعن وقت أن ضرب المجني عليه - على النحو المار بيانه - قد أجهز عليه في الحال, ويضحى النعي على الحكم بدعوى الفساد في الاستدلال غير سديد. لما كان ذلك وكان ما يثيره الطاعن من أن الحكم المطعون فيه لم يستظهر وجود خصومة أو ضغينة بينه والمجني عليه يستدل منها على نية القتل لا يعدو أن يكون متعلقا بالباعث على الجريمة، وينحل إلى جدل موضوعي في حق المحكمة في استخلاص نية القتل وهو ما دللت عليه تدليلا سائغا وفقا لما سلف ذكره، فإن منعى الطاعن في هذا الشأن يكون غير مقبول. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق